الأحد، 13 سبتمبر 2020

إسترداد الاموال المحولة عن طريق الخطأ بواسطة النيابة العامة (وفقا للقانون السوداني)

 وجهة نظر قانونية حول أجراء استرداد الاموال المحولة بالخطأ عن طريق النيابة

           

الدكتور /إبراهيم قسم السيد 

مقدمة:

في بعض الأحيان نجد ان (ماجري او ما يجري عليه العمل) يخالف النصوص او الاجراءات الصحيحة، أما كيف يحدث ذلك، فالسبب هو ان جهة مايخذ فيها اجراء معين، يكون غير صحيح ومن ثم يتم (توريث) هذا الاجراء _ان صح التعبير _ ويجري العمل عليه، فيصبح كأنه هو ما يفترض ان يكون في الاصل، ومن ذلك ما يتم في النيابات من اجراء يتم بموجبه استرداد الاموال المحالة عن طريق الخطأ، فما مدي صحة الاجراء وما مدي قانونيته؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه في هذا المقال.

أولا:عمليات التحويلات المالية بواسطة التقنيات الحديثة:

بعد انتشار التعامل بواسطة اجهزة الهاتف النقال وغيرها، انتقل الناس معها لنمط جديد من التعامل،فكان للتعامل في مجال التحويلات المالية من ذلك نصيب، حيث اصبح من الممكن احالة اي مبلغ مالي عن طريق الهاتف السيار ، وذلك بما يعرف  ( بتحويل الرصيد) وهي عملية بسيطة لا تتطلب سوي هاتف به مبلغ مالي كرصيد، يمكننا تعريفه ب(المرسل ) وهاتف اخر يمكننا كذلك تسميته (بالمستقبل)،وتتم العملية بارسال المبلغ المالي المطلوب عن طريق الاول بعد ادخال رقم الثاني، واتباعه ب(كود) معين، يختلف من شركة اتصالات لاخري، ويقوم المستقبل بالاستفادة من الرصيد المرسل عن طريق بيعه نظير عمولة معينة. 

كما توجد صورة اخري اكثر تطوراً ظهرت بعد أن ادخلت البنوك النمط الالكتروني في التعامل،وسهلت علي عملائها إجراءات التحويلات المالية عن طريق انشاء (تطبيقات) الكترونية، و ليستفيد العميل من هذه لخدمة يقوم بعملية (تنزيل) التطبيق علي هاتفه النقال او جهاز الحاسوب الخاص به ويستلم الرقم السري الخاص باجراء معاملاته، فيتمكن من القيام بعدد من العمليات المالية من اهمها تحويل المبالغ المالية من حسابه لاي حساب آخر. 

ثانياً:الاخطاء المصاحبة لعمليات التحويلات المالية:

العمليات التي ذكرناها آنفاً سهلت التعامل كما ذكرنا، غير انها لا تخلو من المخاطر عند استخدامها، ولعل اهم هذه المخاطر اذا استثنينا امكانية قيام المجرمين المعلوماتيين بدخول حسابات الاشخاص المصرفية، او هواتفهم النقالة، والاستيلاء علي ما بها من اموال، اذا استثنينا هذا، فهناك خطر اخر يتمثل في قيام الشخص نفسه بارسال المبلغ المالي عن طريق الخطأ لحساب شخص آخر غير المقصود، ويحدث ذلك في حالة قيام المرسل بادخال رقم هاتف او رقم حساب خطأ، وهنا بمجرد الضغط على زر الارسال، يذهب المبلغ برمته الي شخص لا علاقة له به، فيدخل في حسابه المصرفي او في هاتفه، وتبدأ معاناة الشخص المرسل في البحث عنه ومحاولةراسترداد مبلغه المالي. 

ان معاناة المرسل عند حدوث مثل هذا الخطأ تزداد في حالة ان يكون التحويل قد تم لحساب مصرفي اكثر منه عند التحويل لرقم هاتف خطأ، ففي الحالة الاولي يتوجب علي الشخص المرسل معرفة اسم صاحب الحساب، وهو امر يتطلب الذهاب الي البنك ومطالبته بالمعلومة غير أن البنك سيمانع بالطبع في الكشف عن اسم العميل، وفقاً لمبدأ السرية المفروض عليه، ومن باب أولي لن يكشف عن المعاملة التي تمت داخل الحساب وفقاً للسبب ذاته، اما في حالة التحويل  لهاتف، فقد تبدو المسألة اسهل، حيث يمكن الاتصال مباشرةبصاحب الرقم وافهامه ما تم من خطأ، وهنا لا يخرج الامر عن احدي ثلاث حالات، فإما ان يعيد الشخص المبلغ ، واما ان لا يتمكن المرسل من الاتصال به لسبب او لآخر، او قد يرفض المستقبل اعادة المبلغ قصداً. وفي الحالتين الاخيرتين قد يلجأ الشخص الي النيابة، ويحدث ذلك ايضا ً في حالة عدم التمكن من معرفة صاحب الحساب المصرفي، فما الذي يحدث حينها.؟ 

ثالثاً:

إجراءات النيابة بشأن طلب استرداد الاموال المحالة عن طريق الخطأ :

ما يحدث عند ذهاب  الشخص الذي أحال مبلغاً    مالياً عن طريق الخطأ لشركة الاتصالات المعنية او البنك المعني لاخطارهم بما حدث،، هو ان تطلب منه الشركة او البنك  اللجوء للنيابة العامة،وعند تقديمه طلباً للنيابة العامة فما جري عليه العمل هو قيام وكيل النيابة بتوجيه الشرطة باتخاذ إحراءات تحري أولى تحت المادة ٤٧ من قانون الأجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١، وهي المادة التي تعطي الحق لوكيل النيابة في اتخاذ إجراءات تحري تسبق فتح الدعوي الجنائية ، ويتم ذلك في العادة اذا كانت الشكوي أو البلاغ الذي تم تقديمه غير واضح، او لم يكشف عن وجود جريمةوفقاً للوقائع المدعي بها، وبعد أخذ أقوال الشاكي _في الحالة الماثلة _ يقوم وكيل النيابة باتخاذ قرار بمخاطبة شركة الاتصالات او البنك المعين يأمر فيه برد المبلغ المالي الي    الشخص الذي احاله عن طريق الخطا. 

فهل هذا الإجراء صحيح وموافق للقانون؟ 

في اعتقادنا أن الأجابة هي بالنفي، بل إن الإجراء ينافي سلطات النيابة العامة، ونسند رأينا بالأدلة التالية:

١/ من الواضح ان اتخاذ قرار برد مبلغ مالي اياً كان السبب هو عبارة عن (حكم)، والحكم لا يصدر الا من محكمة مختصة بناءا علي دعوي تم نظرها وفقاً لمراحل الدعاوي المنصوص عليها في القوانين الاجرائية المختصة، وأكثر من ذلك فإن   الأمر برد المال بهذه الطريقة هو عبارة عن (تنفيذ للحكم) ولبس ( حكماً فقط) وبما أن النيابة لا تملك  الحق في اصدار حكم كهذا وفقاً لسلطاتها المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١، ناهيك عن اصدار قرار (بتنفيذ) حكم، فبالتالي يكون مثل هذا القرار مخالف للقانون. 

٢/ اتخاذ النيابة لمثل هذا القرار يفتح الباب للمحتالين لتقديم مثل هذا الطلب للنيابة، ويمكن تصور ذلك، بأن  يكون لشخص دين في ذمة اخر ويعد ارساله للمبلغ يتقدم بطلب للنيابة العامة مدعياً انه أرسله عن طريق الخطأ، وبالتالي ترد له النيابة مالاً لا يستحقه، كما يمكن تصور ذات     الامر في حالة أن يعلم شخص بأن شخصاً اخر ارسل مبلغاً مالياً لشخص ثالث ويعلم بطريق او باخر برقم الهاتفين فيتقدم للنيابة منتحلا شخصية المرسل، فإذا استجابت النيابة للطلب تكون قد أعانت محتالاً من حيث لا تدري. 

اذاً ماهو التكييف القانوني لمثل هذه الحالة؟ 

في اعتقادنا ان الامر يمكن ان يشكل جريمة التملك الجنائي المنصوص عليها في المادة ١٨٠من القانون الجنائي والتي تنص علي الآتي :

من يأخذ أو يستعير او يعثر علي مال منقول مملوك للغير أو يحوزه عن طريق الخطأ ثم يجحد ذلك المال أو يتصرف فيه بسوء قصد يعاقب ب..... 

بالنظر الي اركان هذه المادة نجد انها تشتمل من ضمن اركانها الاخري علي ركن (الحيازة عن طريق الخطأ)  الي جانب القصد الجنائي المتمثل في (جحد المال) ولا شك أن دخول مبلغ    مالي في حساب شخص معين عن طريق الخطأ علي نحو ما سلف بيانه يشكل ركن (الحيازة عن طريق الخطأ) فاذا تم التواصل معه ورفض إعادة المبلغ مجاهرة او تماطلا فهنا سيكون قد حقق ركن (الجحد) وبالتالي يجب علي النيابة فتح دعوي تحت هذه المادة في مواجهته، والقبض عليه       واصدار قرار    بالإفراج عنه بكفالة مقرونة بضمانة مالية توازي المبلغ الذي استلمه، وبعد ذلك إما إحالة الدعوي للمحكمة او شطبها صلحاً إذا اتفق الطرفان علي ذلك، لأ نها من الجرائم التي يجوز التنازل فيها عن  الحق الخاص. ومن نافلة القول أن المحكمة بعد اصدار حكمها ستأمر بإعادة المبلغ للشاكي.. 

هذا من جانب، ومن جانب آخر اذا تعذر الوصول الي الشخص  مستلم المال لاي سبب فمن حق المرسل رفع دعوي أمام المحكمة المدنية  بناءا( علي الإثراء بلا سبب مشروع) وستصدر المحكمة حكماً غيابياً باعادة المبلغ له بعد سماع بينته، ومن نافلة القول أيضاً أن من حق الشخص المرسل  ان يلجأ لطريق الدعوي المدنية إبتداءا حتي ولو كان مستلم المال معلوم المكان لديه،         بدلاً من سلوك سبيل الدعوي الجنائية. 

ومن خلال ما سبق نتوصل لما يلي:

1/النتائج :

أ/ ادي التطور المضطرد في استخدام التقانات الحديثة في مجال تحويل الأموال الي ازدياد      حالات تحويل الأموال لغير مستحقيها. 

ب/"تتخذ النيابة إجراءات باسترداد الاموال لمرسلها عن طريق الخطأ وهو اجراء غير صحيح. 

ج/قد تتسبب النيابة في معاونة اشخاص علي    الاحتيال باسترداد اموال لا تخصهم عند اتخاذها قرار استرجاع الاموال. 

د/ احالة الاموال عن طريق الخطأ يشكل جريمة التملك الجنائي المنصوص عليها في المادة ١٨٠ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١.كما يمكن أن يشكل اثراءا بلا سبب مشروع. 

٢ /التوصيات.. 

أ/علي النيابة الامتناع عن اتخاذ قرار باعادة المال المدعي احالته بالخطأ لمقدم الطلب. 

ب/ يجب علي النيابة تمحيص الطلب المقدم من الشخص طالب استرداد المال لكشف ما اذا كان طلبه يشكل اساسا لجريمة التملك الجنائي وفقاللمادة ١٨٠   من  القانون الحنائي لسنة  ١٩٩١ او     الاثراء بلا سبب مشروع. 

ج/على النيابة فتح دعوي جنائية تحت المادة         ١٨٠من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١  في حالة ثبوت عنصر جحد المال من قبل المستلم، او نوجيه مقدم الطلب برفع دعوي مدنية تحت سبب            الاثراد بلا سبب مشروع في خالة ثبوت عدم وجود قصد جنائي من المستلم. 

والله ولي التوفيق. 

الدكتور/إبراهيم قسم السيد 

يولبو ٢٠٢٠





 

هناك تعليق واحد:

غير معرف يقول...

Bet365 ᐈ1xbet korean domain koreanbet.co.kr
Bet365.co.kr is a betting platform that allows you to place sports bets and win money 1xbet южная корея with your mobile betting account.