الأحد، 13 سبتمبر 2020

إسترداد الاموال المحولة عن طريق الخطأ بواسطة النيابة العامة (وفقا للقانون السوداني)

 وجهة نظر قانونية حول أجراء استرداد الاموال المحولة بالخطأ عن طريق النيابة

           

الدكتور /إبراهيم قسم السيد 

مقدمة:

في بعض الأحيان نجد ان (ماجري او ما يجري عليه العمل) يخالف النصوص او الاجراءات الصحيحة، أما كيف يحدث ذلك، فالسبب هو ان جهة مايخذ فيها اجراء معين، يكون غير صحيح ومن ثم يتم (توريث) هذا الاجراء _ان صح التعبير _ ويجري العمل عليه، فيصبح كأنه هو ما يفترض ان يكون في الاصل، ومن ذلك ما يتم في النيابات من اجراء يتم بموجبه استرداد الاموال المحالة عن طريق الخطأ، فما مدي صحة الاجراء وما مدي قانونيته؟ هذا ما سنحاول الاجابة عنه في هذا المقال.

أولا:عمليات التحويلات المالية بواسطة التقنيات الحديثة:

بعد انتشار التعامل بواسطة اجهزة الهاتف النقال وغيرها، انتقل الناس معها لنمط جديد من التعامل،فكان للتعامل في مجال التحويلات المالية من ذلك نصيب، حيث اصبح من الممكن احالة اي مبلغ مالي عن طريق الهاتف السيار ، وذلك بما يعرف  ( بتحويل الرصيد) وهي عملية بسيطة لا تتطلب سوي هاتف به مبلغ مالي كرصيد، يمكننا تعريفه ب(المرسل ) وهاتف اخر يمكننا كذلك تسميته (بالمستقبل)،وتتم العملية بارسال المبلغ المالي المطلوب عن طريق الاول بعد ادخال رقم الثاني، واتباعه ب(كود) معين، يختلف من شركة اتصالات لاخري، ويقوم المستقبل بالاستفادة من الرصيد المرسل عن طريق بيعه نظير عمولة معينة. 

كما توجد صورة اخري اكثر تطوراً ظهرت بعد أن ادخلت البنوك النمط الالكتروني في التعامل،وسهلت علي عملائها إجراءات التحويلات المالية عن طريق انشاء (تطبيقات) الكترونية، و ليستفيد العميل من هذه لخدمة يقوم بعملية (تنزيل) التطبيق علي هاتفه النقال او جهاز الحاسوب الخاص به ويستلم الرقم السري الخاص باجراء معاملاته، فيتمكن من القيام بعدد من العمليات المالية من اهمها تحويل المبالغ المالية من حسابه لاي حساب آخر. 

ثانياً:الاخطاء المصاحبة لعمليات التحويلات المالية:

العمليات التي ذكرناها آنفاً سهلت التعامل كما ذكرنا، غير انها لا تخلو من المخاطر عند استخدامها، ولعل اهم هذه المخاطر اذا استثنينا امكانية قيام المجرمين المعلوماتيين بدخول حسابات الاشخاص المصرفية، او هواتفهم النقالة، والاستيلاء علي ما بها من اموال، اذا استثنينا هذا، فهناك خطر اخر يتمثل في قيام الشخص نفسه بارسال المبلغ المالي عن طريق الخطأ لحساب شخص آخر غير المقصود، ويحدث ذلك في حالة قيام المرسل بادخال رقم هاتف او رقم حساب خطأ، وهنا بمجرد الضغط على زر الارسال، يذهب المبلغ برمته الي شخص لا علاقة له به، فيدخل في حسابه المصرفي او في هاتفه، وتبدأ معاناة الشخص المرسل في البحث عنه ومحاولةراسترداد مبلغه المالي. 

ان معاناة المرسل عند حدوث مثل هذا الخطأ تزداد في حالة ان يكون التحويل قد تم لحساب مصرفي اكثر منه عند التحويل لرقم هاتف خطأ، ففي الحالة الاولي يتوجب علي الشخص المرسل معرفة اسم صاحب الحساب، وهو امر يتطلب الذهاب الي البنك ومطالبته بالمعلومة غير أن البنك سيمانع بالطبع في الكشف عن اسم العميل، وفقاً لمبدأ السرية المفروض عليه، ومن باب أولي لن يكشف عن المعاملة التي تمت داخل الحساب وفقاً للسبب ذاته، اما في حالة التحويل  لهاتف، فقد تبدو المسألة اسهل، حيث يمكن الاتصال مباشرةبصاحب الرقم وافهامه ما تم من خطأ، وهنا لا يخرج الامر عن احدي ثلاث حالات، فإما ان يعيد الشخص المبلغ ، واما ان لا يتمكن المرسل من الاتصال به لسبب او لآخر، او قد يرفض المستقبل اعادة المبلغ قصداً. وفي الحالتين الاخيرتين قد يلجأ الشخص الي النيابة، ويحدث ذلك ايضا ً في حالة عدم التمكن من معرفة صاحب الحساب المصرفي، فما الذي يحدث حينها.؟ 

ثالثاً:

إجراءات النيابة بشأن طلب استرداد الاموال المحالة عن طريق الخطأ :

ما يحدث عند ذهاب  الشخص الذي أحال مبلغاً    مالياً عن طريق الخطأ لشركة الاتصالات المعنية او البنك المعني لاخطارهم بما حدث،، هو ان تطلب منه الشركة او البنك  اللجوء للنيابة العامة،وعند تقديمه طلباً للنيابة العامة فما جري عليه العمل هو قيام وكيل النيابة بتوجيه الشرطة باتخاذ إحراءات تحري أولى تحت المادة ٤٧ من قانون الأجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١، وهي المادة التي تعطي الحق لوكيل النيابة في اتخاذ إجراءات تحري تسبق فتح الدعوي الجنائية ، ويتم ذلك في العادة اذا كانت الشكوي أو البلاغ الذي تم تقديمه غير واضح، او لم يكشف عن وجود جريمةوفقاً للوقائع المدعي بها، وبعد أخذ أقوال الشاكي _في الحالة الماثلة _ يقوم وكيل النيابة باتخاذ قرار بمخاطبة شركة الاتصالات او البنك المعين يأمر فيه برد المبلغ المالي الي    الشخص الذي احاله عن طريق الخطا. 

فهل هذا الإجراء صحيح وموافق للقانون؟ 

في اعتقادنا أن الأجابة هي بالنفي، بل إن الإجراء ينافي سلطات النيابة العامة، ونسند رأينا بالأدلة التالية:

١/ من الواضح ان اتخاذ قرار برد مبلغ مالي اياً كان السبب هو عبارة عن (حكم)، والحكم لا يصدر الا من محكمة مختصة بناءا علي دعوي تم نظرها وفقاً لمراحل الدعاوي المنصوص عليها في القوانين الاجرائية المختصة، وأكثر من ذلك فإن   الأمر برد المال بهذه الطريقة هو عبارة عن (تنفيذ للحكم) ولبس ( حكماً فقط) وبما أن النيابة لا تملك  الحق في اصدار حكم كهذا وفقاً لسلطاتها المنصوص عليها في قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١، ناهيك عن اصدار قرار (بتنفيذ) حكم، فبالتالي يكون مثل هذا القرار مخالف للقانون. 

٢/ اتخاذ النيابة لمثل هذا القرار يفتح الباب للمحتالين لتقديم مثل هذا الطلب للنيابة، ويمكن تصور ذلك، بأن  يكون لشخص دين في ذمة اخر ويعد ارساله للمبلغ يتقدم بطلب للنيابة العامة مدعياً انه أرسله عن طريق الخطأ، وبالتالي ترد له النيابة مالاً لا يستحقه، كما يمكن تصور ذات     الامر في حالة أن يعلم شخص بأن شخصاً اخر ارسل مبلغاً مالياً لشخص ثالث ويعلم بطريق او باخر برقم الهاتفين فيتقدم للنيابة منتحلا شخصية المرسل، فإذا استجابت النيابة للطلب تكون قد أعانت محتالاً من حيث لا تدري. 

اذاً ماهو التكييف القانوني لمثل هذه الحالة؟ 

في اعتقادنا ان الامر يمكن ان يشكل جريمة التملك الجنائي المنصوص عليها في المادة ١٨٠من القانون الجنائي والتي تنص علي الآتي :

من يأخذ أو يستعير او يعثر علي مال منقول مملوك للغير أو يحوزه عن طريق الخطأ ثم يجحد ذلك المال أو يتصرف فيه بسوء قصد يعاقب ب..... 

بالنظر الي اركان هذه المادة نجد انها تشتمل من ضمن اركانها الاخري علي ركن (الحيازة عن طريق الخطأ)  الي جانب القصد الجنائي المتمثل في (جحد المال) ولا شك أن دخول مبلغ    مالي في حساب شخص معين عن طريق الخطأ علي نحو ما سلف بيانه يشكل ركن (الحيازة عن طريق الخطأ) فاذا تم التواصل معه ورفض إعادة المبلغ مجاهرة او تماطلا فهنا سيكون قد حقق ركن (الجحد) وبالتالي يجب علي النيابة فتح دعوي تحت هذه المادة في مواجهته، والقبض عليه       واصدار قرار    بالإفراج عنه بكفالة مقرونة بضمانة مالية توازي المبلغ الذي استلمه، وبعد ذلك إما إحالة الدعوي للمحكمة او شطبها صلحاً إذا اتفق الطرفان علي ذلك، لأ نها من الجرائم التي يجوز التنازل فيها عن  الحق الخاص. ومن نافلة القول أن المحكمة بعد اصدار حكمها ستأمر بإعادة المبلغ للشاكي.. 

هذا من جانب، ومن جانب آخر اذا تعذر الوصول الي الشخص  مستلم المال لاي سبب فمن حق المرسل رفع دعوي أمام المحكمة المدنية  بناءا( علي الإثراء بلا سبب مشروع) وستصدر المحكمة حكماً غيابياً باعادة المبلغ له بعد سماع بينته، ومن نافلة القول أيضاً أن من حق الشخص المرسل  ان يلجأ لطريق الدعوي المدنية إبتداءا حتي ولو كان مستلم المال معلوم المكان لديه،         بدلاً من سلوك سبيل الدعوي الجنائية. 

ومن خلال ما سبق نتوصل لما يلي:

1/النتائج :

أ/ ادي التطور المضطرد في استخدام التقانات الحديثة في مجال تحويل الأموال الي ازدياد      حالات تحويل الأموال لغير مستحقيها. 

ب/"تتخذ النيابة إجراءات باسترداد الاموال لمرسلها عن طريق الخطأ وهو اجراء غير صحيح. 

ج/قد تتسبب النيابة في معاونة اشخاص علي    الاحتيال باسترداد اموال لا تخصهم عند اتخاذها قرار استرجاع الاموال. 

د/ احالة الاموال عن طريق الخطأ يشكل جريمة التملك الجنائي المنصوص عليها في المادة ١٨٠ من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١.كما يمكن أن يشكل اثراءا بلا سبب مشروع. 

٢ /التوصيات.. 

أ/علي النيابة الامتناع عن اتخاذ قرار باعادة المال المدعي احالته بالخطأ لمقدم الطلب. 

ب/ يجب علي النيابة تمحيص الطلب المقدم من الشخص طالب استرداد المال لكشف ما اذا كان طلبه يشكل اساسا لجريمة التملك الجنائي وفقاللمادة ١٨٠   من  القانون الحنائي لسنة  ١٩٩١ او     الاثراء بلا سبب مشروع. 

ج/على النيابة فتح دعوي جنائية تحت المادة         ١٨٠من القانون الجنائي لسنة ١٩٩١  في حالة ثبوت عنصر جحد المال من قبل المستلم، او نوجيه مقدم الطلب برفع دعوي مدنية تحت سبب            الاثراد بلا سبب مشروع في خالة ثبوت عدم وجود قصد جنائي من المستلم. 

والله ولي التوفيق. 

الدكتور/إبراهيم قسم السيد 

يولبو ٢٠٢٠





 

الجريمة المعلوماتية في القانون السوداني

 الجريمة المعلوماتية، تعريفها، تقسيماتها وأسباب إخضاعها لتشريعات خاصة*. *(دراسة في إطار القانون السوداني)*

الدكتور /إبراهيم قسم السيد محمد


*تمهيد وتقسيم* :

عرفت البشرية الجريمة منذ بدء الخليقة، ولعل في قصة هابيل وقابيل المعروفة والواردة في القرآن الكريم مايؤكد هذا القول(1). ومن ثم تطورت المجتمعات وإختلفت بواعث الجريمة ووسائل إرتكابها حتى وصلنا إلى مرحلة جرائم المعلوماتية في هذا العصر.

إن الحديث عن هذه الجريمة أي الجريمة المعلوماتية يتطلب تعريفها وهو تعريف سنتعرض له بإيجاز غير مخل بحسبان أي عدداً مقدراً من المراجع والبحوث أسهبت في ذلك وفصلت، ومن ثم سنذهب للحديث عن نهج المشرع السوداني في تقسيم هذه الجرائم في قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 ومن بعد ذلك نتناول الأسباب التي حدت بالمشرع لإصدار تشريعات خاصة بهذه الجرائم.

ووفقاً لذلك قسمنا هذا البحث لما يلي :

*المبحث الأول : ماهية الجريمة المعلوماتيةونهج المشرع السوداني في تقسيمها*.

*المبحث الثاني : أسباب سن تشريعات خاصة للجريمة المعلوماتية* .


*المبحث الأول

ماهية الجريمة *المعلوماتية ونهج المشرع االسوداني في تقسيمها*

أولاً : *الجريمة في اللغة والشريعة الإسلامية والقانون* :

أصل كلمة جريمة من جرم بمعنى قطع، ولذلك يصلح أن نطلق كلمة الجريمة على ماهو مخالف للحق والعدل والطريق المستقيم.

وأشتق من ذلك المعنى إجرام وأجرم، قال تعالى : ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون)(1) وقال تعالى : (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون)(2) وقال تعالى : (إن المجرمين في ضلال وسعر)(3) ، ومن هذا البيان يتبين أن الجريمة هي : فعل الأمر الذي لايُستحسن ويُستعجب وهي فعل مانهى الله عنه وعصيان ما أمر الله به.

أما في القانون فقد إختلفت التعريفات وإن كان المعنى يصب في نهاية الأمر في مصب واحد وهو تقدير جزاء على فعل جرمه المشرع، وقد أورد القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 تعريف الجريمة في المادة 3/7 منه بأنها : (تشمل كل فعل معاقب عليه بموجب أحكام هذا القانون ويشمل الإمتناع)..

أما الجريمة المعلوماتية فقد وردت بشأنها تعريفات متعددة، ويطلق عليها أحياناً جرائم الكمبيوتر أو جرائم الحاسب الآلي وجرائم ذوي الباقات البيضاء، وعرفها البعض بأنها : (ذلك النوع من الجرائم الذي يتطلب إلماماً خاصاً بمهارات وتقنيات الحاسوب لعمل غير قانوني) وعرفها البعض الآخر بأنها : (عمل غير قانوني يستخدم فيه الحاسب الآلي كأداة أو موضوع للجريمة)(5).

الملاحظ لدينا ان التعريفات السابقة وغيرها التي تصدت لتعريف هذه الجريمة أوجدت قاسماً مشتركاً بينها هو إستخدام تقنية الحاسب الآلي (الكمبيوتر) في إرتكابها، ولعل هذا أمر يتفق ويتواءم مع طبيعة هذه الجريمة.

وكما سلف القول فإن قانون جرائم المعلوماتية السوداني لسنة  ٢٠٠٧ الملغي بقانون ٢٠١٨لم يورد تعريفاً لهذه الجريمة، غير أننا نجد أنه أورد ذات القاسم المشترك المذكور فقد أوردت كل النصوص أن الأفعال التي يجرمها ترتكب عن طريــق (شبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب أو مافي حكمها) ، ويبدو ان الضمير (هاء )في كلمة حكمها يعود إلى شبكة المعلومات واجهزة الحاسوب الواردتين في كل نص من نصوص القانون فيكون المعنى هو أن الفعل يعد جريمة بموجب أحكام هذا القانون إذا أستخدمت في إرتكابه أجهزة الحاسوب أو شبكة المعلومات أو مافي حكم أجهزة الحاسوب أو شبكة المعلومات من حيث التقنية المستخدمة في تشغيلها.

وفي هذا الصدد قد يقول قائل إن هذا الفهم يتعارض مع مايؤمن به فقهاء القانون الجنائي من حيث عدم توسعة النص الجنائي ووجوب الأخذ به كما هو في نطاقه الضيق منعاً للتوسع في التجريم ، حيث أن النص الجنائي لايتوسع في فهمه ولايقاس عليه، غير أننا نرى أن ما أورده المشرع هنا ليس فيه توسعة بالمعنى الذي ينصرف إليه الذهن، فوضع الأفعال التي يحكمها هذا القانون ويحرمها تختلف عن وصيفاتها من الأفعال التي تشكل جرائم تقليدية إذا جاز القول.

إننا نظن أن المشرع السوداني قد وفق في هذا النهج الذي إختطه فيما يتعلق بالنص على كيفية إرتكاب الجريمة فهذا التعريف لايغل يد النيابة والمحكمة إذا ظهرت تقنيات جديدة ترتكب بواسطتها الأفعال المجرمة وبالتالي لن تجد أجهزة العدالة نفسها محصورة في تعريف محدود بوسائل معينة خاصة وأن التطور  التقني في تجدد مستمر.

ثانياً : أساس تطبيق جرائم المعلوماتية وتقسيماتها في القانون االسوداني:ـ 

أورد قانون جرائم المعلوماتية الجديد لسنة  2018 أسس إنطباقه على الأفعال التي يجرمها في المادة (2)   كما يلي : 

أن ترتكب الجريمة المنصوص عليها فيه كلياً أو جزئياً داخل السودان أو خارجه أو يمتد أثرها داخل السودان. 

يجب أن تكون تلك الجرائم معاقباً عليها خارج السودان، وهذا بالطبع إذا كانت الجريمة أرتكبت خارج السودان أو إمتد اثرها إليه.

يستوي أن يكون الفاعل أصيلاً أو شريكاً.

مراعاة المبادئ التي نص عليها القانون الجنائي لسنة 1991.

*ثالثاً : محل الجريمة المعلوماتية وفقاً للقانون االسوداني* :

من الملاحظ أن القانون نص على إرتكاب الجريمة المعلوماتية عن طريق الشبكة  المعلوماتية أو أجهزة الحاسوب أو مافي حكمها وهذا يعني ضرورة التفرقة بين وقوع الجريمة على هذه الأجهزة ككيانات مادية وبين إرتكاب الجريمة بواسطة هذه الأجهزة.

في الحالة الأولى أي وقوع أي فعل مجرَّم على اجهزة الحواسيب ذاتها لا ينطبق قانون جرائم المعلوماتية فعند سرقة جهاز الحاسوب أو إتلافه أو تملكه بأي فعل مجرَّم مثل الإحتيال او النهب أو الإبتزاز أو التملك الجنائي فهنا ينطبق القانون الجنائي لسنة 1991على هذه الأفعال. أما في الحالة الثانية وهي حالة إرتكاب الجريمة بواسطة هذه الاجهزة فيطبق قانون جرائم المعلوماتية 2018.


*المبحث الثاني

أسباب سن قوانين خاصة لجرائم المعلوماتية*

يتساءل عدد مقدر من القانونيين والمهتمين عن السبب في إصدار تشريعات خاصة لجرائم المعلوماتية في ظل وجود تشريعات قائمة أصلاً  هي القوانين الجنائية أو الجزائية علي إختلاف مسمياتها؟ (1).

في إعتقادنا أن هذا التساؤل تساؤل مشروع لايجوز أن يُسفه فلا يرد عليه، أو يمُر عليه مرور الكرام فلا يجاب سائله، وإن تمت الإجابة عليه فلابد أن يكون ذلك بقدر يزيل الشك وينفي الريب لا أن يكون من باب الجدل والمراء.

ولعله من المناسب في هذا المقام القول بأن الجدل حول هذا الموضوع ليس جديداً وقد أثير في عدد من الكتابات التي تناولت مواضيع جرائم المعلوماتية، فيمكن من جماع ذلك القول بوجود مدرستين في هذا الصدد ترى إحداهما ضرورة إصدار قوانين خاصة بجرائم المعلوماتية في حين ترى الآخرى الإكتفاء بما هو موجود من قوانين عقابية أو جزائية وقياس الأفعال التي ترتكب بواسطة أجهزة التقانة الحديثة على ماورد من تجريم في هذه القوانين أو توسعتها لتشمل هذه الأفعال دون حاجة لإصدار قوانين جديدة.

ونحن نميل إلى رأي العلماء الأفاضل من أصحاب المدرسة الأولى التي ترى أن إصدار قوانين خاصة لتجريم هذه الأفعال هو الأنسب والأفضل بل لعلنا نذهب حتى إلى القول بضرورة إصدار قانون خاص لإجراءات هذه الدعاوى. وسنسوق بعض الحجج في هذا الشأن كما يلي : 

عقبة مبدأ الشرعية الإجرائية : 

من المعلوم أن ثمة مبدأ أساسي في مجال القانون الجنائي هو مبدأ الشرعية الإجرائية وهو مبدأ يبسط سلطانه على إجراءات التجريم الجنائي ويعبر عنه بأن لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي سابق فيمتنع بالتالي تجريم أي فعل لم ينص المشرع على تجريمه مسبقاً بنص وارد في القانون الجزائي أو العقابي ، وهو مبدأ منصوص عليه في كافة الدساتير وصكوك حقوق الإنسان الدولية .

وهذا المبدأ تترتب عليه نتائج هامة، كما يلي:


1/العقوبة والتدابير الإحترازية أو تدابير الإصلاح لاتوقع مالم تكن محددة النوع والمقدار بواسطة القانون. 

2/ القانون الجديد المنشئ لجريمة او عقوبة لايسري على الماضي أي على افعال أرتكبت قبل وجوده، وان القانون القديم الذي لاينطوي على جريمة أو عقوبة لايسري بعد إلغائه.

3/لايجوز إنشاء جريمة أو عقوبة عن طريق القياس فالعقاب عمل الشارع يخرجه بقانون لاعمل القاضي يستنبطه من العلل المشرعة للأحكام.

صحيح أن هنالك تطوراً ملحوظاً طرأ على مبدأ المشروعية تمثل في إعطاء القاضي مرونة وسلطة تقديرية فيما يتعلق بتقدير العقوبة التي تتفق وظروف الجريمة فمثلاً تطور التشريع فجعل للعقوبة حداً أقصى أعلى وحداً أدني وعقوبات تخييرية للقاضي فيما يخص الفعل الواحد، كما أعطى للسلطة التنفيذية الحق في تنفيذ العقوبة بالطريقة الملائمة أو العفو عنها ومع ذلك فإن المرونة التي طرأت على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات قد وردت على المبدا في شقه الثاني وهو تقدير العقوبه دون الشق الأول الخاص بخلق الجرائم فقد بقى هذا الشق علي جموده ومنع القاضي من أية سلطة تقديرية في شأن تقدير الجرائم

بالنظر إلى هذا المبدأ في إطار جرائم المعلوماتية نجد ان هذه الجرائم جرائم مستحدثه وجديدة سواء كانت هذه الجدة في وسيلة إرتكابها نفسها أو أهدافها أو في شخص المجرم الذي يرتكبها أو إثباتها، ونتج عن هذه الجدة أن أركان هذه الجرائم لا توافق في أغلب الأحيان أركان الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية السارية أصلاً وحتى وإن وجد وجه شبه إلا أن التمحيص الدقيق يثبت أننا أمام جرائم جديدة بالكلية، وبالتالي فإن القياس على الجرائم التقليدية يجعل القاضي أو جهات الإدعاء العام  تنصب من نفسها مشرعاً يسهم في وضع أركان لجرائم جديدة.

ولنا في هذا المجال أن نضرب مثلاً ببعض الجرائم الواردة في قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2018 نفسه فمثلاً جريمة إختراق المواقع الإلكترونية تبدو شبيهة بجريمة التعدي الجنائي المنصوص عليها في المادة (183) من القانون الجنائي 1991، كما أن جريمة إتلاف المعلومات المخزنة داخل أجهزة الحاسوب تشابه جريمة الإتلاف الجنائي المنصوص عليها في المادة (182) من ذات القانون ، ولكن لايمكننا قياس هذه على تلك فجريمة التعدي الجنائي تتطلب أن يكون هناك عقار أو منقول في حيازة شخص ليتم التعدي عليه بالدخول أو التدخل أو البقاء وبداهة لايمكننا قياس الموقع الإلكتروني على العقار أو المنقول، كما أن الإتلاف في جريمة الإتلاف الجنائي يقع على المال أما في جريمة إتلاف المعلومات فيقع على المعلومات نفسها والتي لايمكننا قياسها على المال.

ووفقاً لما سبق نجد أن النظر لهذه الأفعال المستحدثة والتي تشكل جرائم معلوماتية في إطار القوانين السارية يصادم مبدأ الشرعية الإجرائية.

إختلاف محل الجريمة المعلوماتية عن محل الجريمة التقليدية : 

النظر إلى الأفعال التي تتشكل منها جرائم المعلوماتية يوصلنا إلى أن محل هذه الجريمة يختلف على محل الجرائم التقليدية المعروفة في أغلب الأحيان. إذ أن هدف المجرم المعلوماتي قد يكون هو المعلومة نفسها بمفهومها الواسع. 

والمعلومات Information) ) كلمة شاع إستخدامها في الخمسينيات من القرن الماضي في مجالات مختلفة وسياقات شتى، ومن حيث اللغة فإن كلمة المعلومات مشتقة من العلم ودلالتها بوجه عام تدور حول المعرفة التي يمكن نقلها وإكتسابها. أما المعنى الإصطلاحي فنجد تشابه المئات من التعريفات بشأنه ، ويمكن تعريفها بصفة عامة بأنها : (مجموعة من الرموز أو الحقائق أو التعليمات التي تصلح أن تكون محلاً للتبادل أو الإتصال أو التفسير أو التأويل أو المعالجة سواء بواسطة الأفراد أو الأنظمة الإلكترونية) وميزة المعلومات هي المرونة بحيث يمكن تجزئتها وتتغييرها وجمعها أو نقلها بوسائل و أشكال مختلفة.

من جانب آخر يقسم بعض الفقه المعلومات إلى أنواع ثلاثة هي : المعلومات الإسمية، وهي المعلومات المرتبطة بالشخص كإسمه وعنوانه وحالته وموطنه، والمعلومات المتبلورة في شكل مصنفات فكرية أو أدبية، والطائفة الثالثة هل المعلومات العاطلة وهي المعلومات المتاحة للجميع مثل تقارير البورصة اليومية وخلافه.

إن محل الجريمة المعلوماتية هو دائماً المعطيات إما بذاتها أو بما تمثله هذه المعطيات التي قد تكون مخزنة داخل النظام أو تكون في طور النقل والتبادل ضمن وسائل الإتصال المندمجة مع نظام الحوسبة، والأفعال التي تتضمن سرقة المعلومات تتحذ أشكالاً عديدة معتمدة على الطبقة التقنية للنظام محل الإعتداء وكذلك على الوسيلة التقنية المتبعة لتحقيق الإعتداء ، فالحواسيب في الوقت الراهن مخازن للمعلومات الحساسة كالملفات المغلقة بالحالة الجنائية والمعلومات العسكرية وخطط التسويق وهذه تمثل هدفاً للعديد من الجهات بما فيها أيضاً جهات التحقيق الجنائي والمنظمات الإرهابية وجهات المخابرات والأجهزة الأمنية وغيرها

إن عمليات الإستيلاء على هذه المعلومات أو تبديلها أو تخريبها لا يمكن تطبيق نصوص الجرائم العادية  عليها فيما يري جانب من الفقه ، غير أن جانباً من الفقه الجزائي بفرنسا ذهب إلى إمكانية تطبيق الأحكام الخاصة بالسرقة على الإستخدام غير المشروع لنظام الحاسوب إستناداً على المفهوم القانوني لفكرة السرقة التي طبقها القضاء الفرنسي في بعض أحكامه، إذ أن فعل السرقة عند الإستخدام غير المشروع لنظام الحاسوب من وجهة نظر القانون الجزائي يقتضي الإنتقال المادي للشيئ محل السلوك الإجرامي ويكفي كذلك مجرد الإعتداء على حيازة هذا المحل، وبحسب أصحاب هذا الرأي فإن الإعتداء على معطيات الحاسوب تشكل سلباً لمالكه وحرماناً له من مدة زمنية هي فترة الإعتداء وقد إنتقد رأي آخر هذا المذهب قائلاً بعدم إمكانية تطبيق مفهوم السرقة في مثل هذه الحالة إذ أن السلوك الإجرامي لم ينصب على جهاز الحاسوب وإنما على الوظيفة التي يؤديها هذا الجهاز ، فالجاني يقوم بالإستفادة من هذه الخدمات عند تسلله للجهاز دون أن يكون له الحق في ذلك، وهذا الفعل كما هو واضح لايشكل الإطار التقليدي لجريمة السرقة، كما أنه ينافي فكرة الإستئثار أو السيطرة على الشيء محل السرقة. 

من جانب آخر نرى أن جريمة السرقة في الأصل تقوم على أن الشيء محل السرقة مال ولايمكننا القول إن المعلومات عبارة عن مال ، صحيح أن البعض إعتبر أن المعلومات أموالاً معنوية، غير أن هذا المفهوم أثار ومازال يثير مشكلة إمكان إنطباق النص الجزائي عليه كما هو الشأن في حالة إنطباقه على الأمور المادية، ومصدر المشكلة واساس الجدل هو الطبيعة المعنوية للمعلومات، ونعني هنا المعطيات المجردة من وسائطها المادية التي هي مجرد نبضات في فضاء تخيلي وليست ذات كيان مادي يستغل حيزاً في الوجود أو الحقيقة الملوسة، أي أن أساس الجدل هو قابلية النص الجنائي الذي يخص الأشياء المادية للإنطباق على المعطيات ذات الطبيعة المعنوية.

إن ماذكرناه سابقاً يوضح بجلاء أن هذا النوع من الجرائم ذو طبيعة خاصة لايصلح ان يترك امر التعامل معه إلى القوانين الجزائية أو العقابية السارية اصلاً لأن الأمر لن يسلم حينئذ من جدل واسع خاصة مع دقة المبدأ المتعلق بإثبات الجريمة الجنائية والذي يتطلب إثباته فوق مرحلة الشك المعقول.

خطورة جرائم المعلوماتية يتطلب إصدار قوانين خاصة لتجريمها : 

تعد جرائم المعلوماتية من الجرائم الخطيرة بمكان ويتمثل ذلك في الآتي : 

الجريمة المعلوماتية من الجرائم العابرة للقارات : 

تعد الجريمة العابرة للقارات والتي تسمي أيضاً الجريمة المنظمة عبر الوطنية من أخطر الجرائم في العصر الحاضر وتعد العولمة مصدر وأساس هذه الجريمة، صحيح أن العولمة كانت هي الأساس في إتساع إستخدام الحاسوب وشبكة الإنترنت والهاتف الخلوي والأقمار الصناعية ونمو الشركات المتعددة الجنسية .....الخ، ولكن بالمقابل هي نتيجة حتمية لظهور جرائم جديدة كالجريمة المنظمة عبر الوطنية.

إن الجريمة المعلوماتية واحدة من أخطر نماذج الجريمة العابرة للقارات لأنها  - كما سلف القول – ترتكب عبر أجهزة الحاسوب وتستخدم شبكة المعلومات وشبكة الإنترنت في إستخدامها ومعلوم أنه في عصر السماوات المفتوحة لم تعد هناك حدود تفصل بين الدول وبالتالي فإن سهولة إستخدام الشبكة العنكبوتية أو شبكة الإنترنت وإمكانية إرتكاب أياً من أنماط جرائم المعلوماتية في أي وقت وفي أي بقعة إنطلاقاً من أي بقعة في الأرض يوضح لنا خطورة هذه الجريمة ومدى الأضرار التي يمكن أن تتسبب فيها مما يجعل الحاجة لقوانين خاصة تحكمها وتردع مرتكبيها أمراً لازماً.

المخاطر الإقتصادية للجريمة المعلوماتية : 

من الأسباب التي تدعو للقول بضرورة إيجاد قوانين خاصة للجريمة المعلوماتية المخاطر الإقتصادية التي تترتب على إرتكابها فبالرغم من حداثة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت نسبياً إلا أنها لقيت إهتماماً من بعض الباحثين، حيث أجريت العديد من الدراسات المختلفة لمحاولة فهم هذه الظاهرة ومن ثم التحكم فيها، ومنها دراسة أجرتها منظمة (Business sot war at alliance ) في الشرق الأوسط في حجم خسائر جرائم الحاسب الآلي حيث تراوحت مابين 30.000.000 ثلاثين مليون دولار في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة و1.400.000 مليون وأربعمائة ألف دولار في لبنان، كما أظهرت دراسة قامت بها الأمم المتحدة أن (24-42%) من منظمات القطاع العام والخاص على حد سواء كانت ضحية لجرائم تتعلق بالحاسب الآلي والإنترنت، وقد قدرت الولايات المتحدة خسائرها من جرائم الحاسب الآلي مابين ثلاثة وخمسة بلايين دولار سنوياً، كما قدرت المباحث الفيدرالية (FBI) في نهاية الثمانينيات الميلادية أن متوسط تكلقة جريمة الحاسب الآلي الواحدة حوالي ستمائة ألف دولار سنوياً مقارنة بمبلغ ثلاثة آلاف دولار سنوياً هو متوسط الجريمة الواحدة من جرائم السرقة بالإكراه.

إن تأثير الجريمة المعلوماتية على النواحي الإقتصادية يبدو واضحاً من خلال الأرقام المخيفة التي سجلتها الجهات المختصة كخسائر حدثت للعديد من شركات القطاع الخاص والعام وفي إعتقادنا أن ماخفي من هذه الأرقام أعظم لأن العديد من هذه الجهات التي تعرضت لخسائر بسبب الجريمة المعلوماتية تحجم عن التبليغ خوفاً من أن تفقد زبائنها الذين تعتمد عليهم بسبب إنسحابهم أو ترددهم في التعامل معها في حالة علمهم بوجود إعتداءات أو هجمات إلكترونية حدثت لها.


ج :المخاطر الإجتماعية للجريمة المعلوماتية : 

من الدواعي التي تؤيد الإتجاه لإستحداث قوانين خاصة بجرائم المعلوماتية المخاطر التي تهدد المجتمع نتيجة لجريمة المعلوماتية.

إن أكثر الفئات تعاملاً مع الشبكة العنكبوتية والتي تتم عبرها الجريمة المعلوماتية هي فئة الشباب والأطفال من الجنسين وبالتالي فإن وقوع هذه الفئات ضحايا لهذه الجريمة ينذر بمخاطر لاحد لها. فشبكة الإنترنت بما تقدمه من خدمات تصفح المواقع الإلكترونية والبريد الإلكتروني، فضلاً عن ظهور أجهزة الهاتف الذكية الحديثة التي أصبحت في متناول الجميع تجعل من السهولة بمكان وقوع هذه الفئات ضحايا لجرائم لامخدرات والإرهاب والتحرش الجنسي وغيرها من الجرائم.

إن جريمة مثل جريمة الإرهاب علي سبيل المثال تتطلب المرور بمراحل البناء والحصانة والمتمثلة بتجنيد الأعضاء في المجموعة الإرهابية وتعريفهم بمبادئها والبحث عن التمويل لضمان الإستمرارية وتدريب الأعضاء وتزويدهم بالأدوات كوسائل الإتصال والنقل والتدريب وتقسيم العمل، وقد استفادت هذه الجماعات كثيراً من تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي قللت من تأثير المسافة والزمن المعيق لإنتقال الأفكار والمعلومات ومنها الهواتف الثابتة والنقالة والإنترنت وخدماته، مثل البريد الإلكتروني، استفادت المجموعات منها في الترويج لهذه الجريمة.

من جماع ماسبق يتضح لنا ما للجريمة المعلوماتية من آثار عميقة ومختلفة ومتعددة المخاطر وكل هذا يشير إلى إتجاه واحد وهو ضرورة حكمها بنصوص تجريمية خاصة تحقق الردع المطلوب تحقيقاً لهذه الآثار ومحاربة لها.

وفقاً لما سبق رأينا أن المشرع السوداني واكب اثار التطور التقني الحادث في عا لم اليوم بإصدار تشريع خاص 


بجرائم المعلوماتية ، مما يعني أنه أخذ بالرأي القائل بإفراد تشريع خاص لهذه الجريمة إيماناً منه بخطورتها وأثارها بعيدة المدي إقتصاديا وإجتماعياً وسياسياً .                            

      تم بحمد الله وتوفيقه ،،،،،،،،

دابراهيم قسم السيد

ebrahim.tahha@gmail.com

الجمعة، 17 أبريل 2020

سم الله الرحمن الرحيم
على مقهى في الشارع القانوني  ( سلسلة الحلقات من 1-  7) : قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
-------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لشرح القوانين بصورة مبسطة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (1) 
6  ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
على مقعده المفضل في المقهى جلس العجوز مسترخيًا، يرشف من كوب الشاي رشفات صغيرة كأنه يستمهله كي لا ينفد، وقد غرق في مراقبة الشارع والناس، وأفاق من شروده على صوت المقعد المقابل يحركه الشاب وهو يقول ضاحكا: مرحبًا.. ما كل هذا الاستغراق والشرود ؟
رمقه العجوز من خلف نظارته باسما وقال: هناك الكثير مما يستحق التفكير فيه .
قال الشاب :صحيح، وبينما أنا في طريقي إليك كان يستغرقني التفكير في مشكلة  أظنني سأجد حلها عندك.
قال العجوز وهويتناول آخر رشفة من كوبه: هات ما عندك، ماهي هذه المشكلة.!
رد الشاب: حسنا، الموضوع وما فيه هو أنني كنت أتساءل عن كيفية وضع القوانين، هل هناك قانون إطاري عام يكون هو الضابط الذي يتم الاستناد إليه ليكون ضابطا عند إصدار القوانين وينظم كل ما يتعلق بها؟
ابتسم العجوز وقال: مسألة مهمة بالفعل والإجابة هي نعم يوجد قانون ينظم هذه المسألة.
تساءل الشاب: وما هو؟
رد العجوز: هناك قانون اسمه قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974.
هتف الشاب: قانون قديم !
قال العجوز في هدوء: نعم ولك أن تعلم أن قدم السودان راسخة في مجال التشريعات، فهناك قوانين سارية منذ عام 1902 ، كما أن هذا القانون ألغى القانون الذي سبقه وهو قانون سنة 1955 والذي كان ينظم ذات الموضوع، ولكن هذا أمر آخر .أنت الآن تريد أن تعرف عن هذا القانون وتفاصيله، أليس كذلك؟
رد الشاب: بلا شك
اعتدل العجوز وقال: اسمع إذا، هذا القانون صدر بتاريخ21 / مايو 1974، ويحتوي على 33 مادة ومهمته الأساسية هو وضع الإطار العام الذي ينبغي أن تكون عليه القوانين في كل تفاصيلها .
ظل الشاب صامتًا فواصل العجوز قائلا: بدأ هذا القانون نصوصه بتعريفات مهمة.
قال الشاب: أظن أن أهم ما يجب أن يكون قد عرفه القانون هو مصطلح القانون نفسه فماذا يعني؟
رد العجوز باسما :نعم هذه ملاحظة مهمة، وقد أورد تعريف القانون كما يلي (هو أي تشريع بخلاف الدستور ويشمل القوانين والمراسيم المؤقتة وأي لوائح أو قواعد أو تشريعات فرعية أو أوامر صادرة بموجب القوانين) .
فرقع الشاب اصبعه وقال: انتظر انتظر، واحدة واحدة، نرجع من البداية. قلت إن تعريف القانون يشمل كل ما ذكرته ما عدا الدستور؟
رد العجوز: نعم.
قال الشاب: إذا الدستور لا يعد قانونا.
قال العجوز: نعم الدستور يعتبر هو الأسمى والأعلى درجة، وتخضع له كل القوانين ويحب ألا تصدر بالمخالفة له وإلا اتسمت بسمة عدم الدستورية، وصارت باطلة، فهو في مرتبة أعلى وأسمى.
قال الشاب: إذا وفقًا لهذا القانون فإن (القانون) يقصد به (القوانين المراسيم المؤقتة واللوائح والقواعد والتشريعات) وهذه الخمس الأخيرة يتوجب أن تكون صادرة بموجب القانون.
قال الشاب: ماذا تعني بعبارة "صادرة بموجب القانون"؟
أجاب العجوز: يعني أن يكون القانون ينص على أن تقوم جهة معينة بإصدار هذه اللوائح أو القواعد أو الأوامر .
قال الشاب :لدي سؤال هنا، وهو هل هذا التدرج في ذكر هذه الأنواع من القوانين مقصود؛ أعني هل الترتيب الذي ورد للقوانين ثم اللوائح و..و..هل له معنى؟
أجاب العجوز: طبعا له معنى، وهذا التدرج ينشئ قاعدة تسمى قاعدة (تدرج القوانين) ومفادها أن القانون الأدنى يجب ألا يخالف القانون الأعلى، وإلا أصبح باطلا، فمثلا اللائحة يجب ألا تخالف القانون الذي صدرت بموجبه، وقس على ذلك.
قال الشاب: هذه قاعدة مهمة بلا شك، ترتب القوانين وتمنع تضارُبها.
قال العجوز وهو ينهض :هي كذلك بالفعل .
قال الشاب :إلى أين؟ وهل هذا كل ما في هذا القانون؟
أجاب العجوز ضاحكا: كلا بالطبع هناك الكثير، لكن يكفي هذا اليوم وغدا أواصل معك بإذن الله.































 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (2) 
4  ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
جلس الشاب  إلى المنضدة  التي اعتاد الجلوس إليها مع العجوز، رآه الجرسون فأقبل إليه محييا، قال الشاب وهو يروح وجهه بصحيفة: لا تقل لي شيئا عن الشاي في هذا الجو الحار.
ضحك الجرسون وقال: وماله الشاي أنه يرطب الجسم في الحر.
قال الشاب باستياء : أنت تريد الترويج لبضاعتك ليس إلا.
وصل العجوز في هذه اللحظة فسحب الكرسي المقابل، وقال وهو يجلس: ما هذا الجدل عن البضائع وترويجها؟
قال الشاب مشيرا للجرسون: لا شىء سوى أن هذا الصديق يريد أن يسقيني شايا في هذا الصيف اللاّهب ، أحضر لنا ماءً باردًا وبعدها سنرى.
انصرف الجرسون فقال الشاب لقد سبقتك هذا اليوم في المجيء ، والآن هيا لنكمل ما بدأناه عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ...
قاطعه العجوز قائلا: لسنة 1974 ، ماذا قلنا عنه بالامس .
رد الشاب: تحدثنا عن تاريخه وتعريفه لمصطلح القانون وعن قاعدة تدرج القوانين .
قال العجوز: حسنا. وأظن أنه من الأفضل أن نواصل في التعريفات قبل أن نتناول تفاصيل القانون .
قال الشاب: لا بأس .
قال العجوز: من أهم التعريفات التي وردت فيه تعريف الجريدة الرسمية.
قال الشاب: عظيم لقد كنت أسمع هذا المصطلح كثيرا فما هو تعريفه ؟
قال العجوز: الجريدة الرسمية وفقًا لهذا القانون هي (الجريدة الرسمية لحكومة السودان والجريدة الرسمية الولائية وتشمل جميع ملاحقها)
تحرك الشاب في مقعده، فرفع العجوز يده وقال باسمًا:
لا بأس ، فهمتك وسأزيدك ايضاحا، الجريدة الرسمية هي المكان الذي تنشر فيه القوانين وفقا للتعريف الذي ذكرناه إضافة إلى أي قرارات مطلوب نشرها لتأخذ الحجية أي تأخذ قوتها القانونية بعد نشرها في هذه الجريدة.
تساءل الشاب: وأين توجد هذه الجريدة وما هو شكلها..؟
رد العجوز: توجد في وزارة العدل و تحديدا هي وحدة تتبع لإدارة التشريع بالوزارة، أما شكلها فهي عبارة عن مجلدات تنشر فيها ما يوجب القانون نشره ويثبت فيها تاريخ النشر وساعته حتى يمكن الاحتجاج بذلك بدءًا من هذا التاريخ والوقت .
قال الشاب وهو يتناول أكواب الماء التي أحضرها الجرسون في هذه اللحظة ويضعها على المائدة: فهمت من كلامك أن هناك جرائد رسمية ولائية.
قال العجوز: نعم توجد جرائد رسمية ولائية تنشر فيها القوانين وغيرها ذات الشأن الولائي.
قال الشاب: وهل هذه الجريدة سرية أم يمكن الاطلاع عليها؟
رد العجوز: على العكس، هي متاحة بل يمكن الحصول على نسخ منها أو أي جزء مما تحتويه نظير مبلغ مالي رمزي.
قال الشاب: جيد. ولكنك أيضا ذكرت أن تعريف الجريدة الرسمية مهم فما هو وجه أهميته؟
رد العجوز: الأهمية تنبع من أهمية الجريدة نفسها حيث إن القوانين وغيرها أحيانا لا تكون لها أي حجية مالم تنشر فيها، وبالتالي تصبح في حكم العدم و سنتناول  ذلك بالتفصيل عند الحديث عن سريان القوانين.
قال الشاب: وهل هناك تعريفات مهمة أخرى؟
تناول العجوز كوب الماء فتناول الشاب كوبه هو الآخر وتجرعه، وقال العجوز: نعم، عرف القانون الشخص بأنه أي شخص طبيعي وتشمل أي شركة أو جمعية أو هيئة من الأشخاص سواء كانت لها شخصية اعتبارية أم لم تكن.
قال الشاب: شخصية اعتبارية؟ كثيرا ما أسمع بهذه الكلمة فما معناها؟
قال العجوز: الشخصية الاعتبارية أو الشخصية المعنوية هي صفة يمنحها القانون لجهات معينة مثل الشركات، وهي بهذه الصفة تكتسب قدرة على التعامل بصفة منفصلة عن صفة أصحابها المالكين لها، كأن تتعاقد باسمها وتتقاضى باسمها، ويكون لها حسابات في البنوك باسمها، وتكون لها بالتالي  صفة أشبه بصفة الإنسان الطبيعي، حيث تكون لها ولادة وحياة وموت، حيث ولادتها هي شهادة التأسيس ووفاتها هي التصفية وحياتها هي ممارسة نشاطها بين هاتين المرحلتين.
ضحك الشاب ضحكة عالية فقال العجوز: مالك؟
قال الشاب: لي صديق إذا أراد وصف شخص أعجبه يقول لي أن هذا الشخص ذو شخصية اعتبارية، وأنا نفسي  كنت أظن أنه بذلك قد رفع من قدره.
شاركه العجوز الضحك ونهض قائلا: لا أظن، فهو قد جعله من الناحية القانونية -على الاقل- في مرتبة أدنى من الإنسان الطبيعي، وأنا لست ضليعًا في اللغة لكن أظن من الأفضل أن يقول له أنه ذو شخصية معتبرة.
قال الشاب: ألن تشرب كوبًا من الشاي؟
قال العجوز: على رأيك الجو حار ...ربما غدا.. 

























 ------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (3) 
5 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: بالأمس رفضت أن تشرب الشاي، لذلك سيكون عليك اليوم أن تشرب كوبين.
ضحك العجوز وقال: لا بأس، اطلبها أنت وسأواصل أنا حديثي عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤
قال الشاب: يبدو لي أن هذا القانون يحتاج للكثير من التفصيل.
أومأ العجوز برأسه موافقًا وقال: اتفق معك فيما قلت.
قال الشاب وهو يشير إلى عامل المقهى ليحض ثلاثة أكواب: حسنا، هات ماعندك.
قال العجوز: نعم،ولكن قبل أن أبدأ، هل لديك سؤال أو موضوع نبدأ به الحديث؟
قال الشاب: نعم أود أن تتحدث لي عن موضوع تفسير القانون، فهل نظم القانون الذي نتحدث عنه هذه المسألة؟
قال العجوز: نعم بالطبع، فقد نص القانون على الآتي فيما يتعلق بتفسير القوانين (تفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شرع  من أجله، ويفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض على سواه)
قال الشاب: إذا من خلال هذا النص فإن القاعدة الأساسية في تفسير القوانين هي (تحقيق الغرض الذي من أجله تم وضع القانون)
قال العجوز: نعم. لذلك على المحاكم عند تطبيق القانون أن تستصحب دومًا قصد المشرع الذي من أجله تم إصدار القانون تحقيقًا للغرض منه، كما أن المادة نفسها نصت على أن التفسير الذي يحقق هذا الغرض هو المفصل على سواه من التفاسير.
قال الشاب: إذا أعتقد أنه من اجل ذلك يتم إرفاق مذكرة مع كل قانون.
قال العجوز :نعم نعم، وهي تسمى بالمذكرة التفسيرية وهي مهمة جدًا حيث يتم اللجوء إليها لمعرفة ملابسات إصدار القانون والغرض الاساسي منه.
قال الشاب: وأين نجد هذه المذكرات التفسيرية؟
رد العجوز: تكون عادة في ملف القانون بالجريدة الرسمية.
جاء العامل بالشاي، فتناول الشاب كوبين ووضعهما أمام العجوز وأخذ الثالث وقال :كلام جميل، وماذا أيضا؟
أجاب العجوز: هناك نصوص تنظم تعارض القوانين وسيادة الأحكام
تساءل الشاب: وماهي؟
قال العجوز وهو يتناول كوب الشاي الثاني: حسنا، ينص القانون على أنه في حالة تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض.
هتف الشاب: هذا يذكرني بكلامك في الجلسة الأولى حول أن الدستور هو الأسمى والأعلى درجة.
قال العجوز: نعم وقد قلت لك وقتها أن القانون إذا خالف الدستور يعد باطلا ويكون معيبا بعيب عدم الدستورية.
قال الشاب مترددا :ولكن...
ابتسم العجوز وقال: ولكن ماذا؟
قال الشاب: لفت نظري أنك قلت في حالة تعارض أي نص، ولم تقل تعارض أي قانون.
ازدادت ابتسامة العجوز وقال: بالفعل ملاحظة مهمة، والإجابة نجدها في التعريفات الواردة في القانون نفسه.
اعتدل الشاب في جلسته وقال: وكيف ذلك؟
قال العجوز: حسنا، ركز فيما سأقول.  القانون أورد تعريفا لمصطلح (الكلمات) جاء كالآتي: الكلمات الواردة بصيغة المفرد تشمل الجمع والواردة بصيغة الجمع تشمل المفرد.
نظر الشاب إلى أعلى وردد بصوت خفيض: الجمع يشمل المفرد والمفرد يشمل الجمع. ثم نظر إلى العجوز وقال رافعا صوته: فهمت، فهمت فمثلا إذا قلنا كلمة (نص) فذلك يمكن أن يعني كلمة (نصوص) .
ضحك العجوز وصفق بيديه صفقتين خفيفتين وقال: "صحيح.. صحيح.. وفي نصنا الماثل يمكن أن نقول أن (النصوص) المخالفة للدستور يشملها ذات الحكم، وبما أن القانون هو مجموعة نصوص فيمكن أن يكون القانون كله غير دستوري أو...
قاطعه الشاب بصوت عال: أو يمكن أن يكون نصًا واحدًا أو عددًا من النصوص داخل القانون الواحد هي المخالفة للدستور ويكون باقيه صحيحًا.
خبط العجوز المنضدة بيده وقال: نعم، وفي هذه الحالة لا يكون القانون كله غير دستوري وإنما النص أو النصوص المخالفة فقط.
قال الشاب: عظيم، كنت قد ذكرت شيئا عن سيادة أحكام القانون.
قال العجوز :نعم، وأقصد بها سيادة حكم القانون اللاحق على القانون السابق.
تسائل الشاب: أولا ما المقصود بالقانون اللاحق والقانون السابق؟  رد العجوز: قد يكون هناك قانون ينظم مسألة ثم يأتي قانون في وقت لاحق ينظم ذات الموضوع، فهنا تسود أحكام القانون اللاحق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما.
قال الشاب :اسمع كثيرًا عبارة (الخاص يقيد العام) فهل نظمها هذا القانون؟
قال العجوز: يبدو أن ثقافتك القانونية لا بأس بها.
ابتسم الشاب، فأكمل العجوز: نعم نصّ القانون على الآتي في المادة 4 (يعتبر أي قانون خاص أو أي حكم خاص بأي مسألة في أي قانون استثناءً من أي قانون عام أو نصوص عامة في أي قانون يحكم تلك المسألة)
قال الشاب: هل يمكنك أن توضح قليلا؟
أجاب العجوز: اضرب لك مثلا، هناك قوانين تنظم أمورًا خاصة بفئات معينة ولتكن فئة الأطفال مثلا. في هذه الحالة إذا صدر قانون خاص بالطفل فهذا يعد قانونا خاصا يقيد النصوص العامة الخاصة بهم في القانون الجنائي مثلا، والذي يعد في هذه الحالة قانونًا عامًا.
قال الشاب: فهمت.
التفت العجوز جهة عامل المقهى، فقال الشاب: ماذا؟
قال العجوز وهو يعود في كرسيه للوراء ويمسح عينيه: لا شيء لكنني أظن أني في حاجة لكوب شاي ثالث.  -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail:                      Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (4) 
 6 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974

التقى الشاب والعجوز عند باب المقهى، مد الشاب يده ليصافحه فقال العجوز:  هل نسيت تعليمات الصحة؟ لا مصافحة.
ضحك الشاب وضرب يده بالأخرى وقال: كثيرا ما أنسى، دعنا نجلس.
مضيا إلى ركنهما المعتاد، جلسا وقال العجوز:
دعنا نبدأ لنواصل حديثنا عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤.
اعتدل الشاب في جلسته وقال: أرجو أن تحدثني اليوم عن نشر القانون في الجريدة الرسمية.
قال العجوز: بالطبع فهذا موضوع مهم، ولكن هناك معلومة لابد من معرفتها وهي أن القانون نص على أن تكون لغة القوانين التي تعد بها مشروعاتها هي اللغة العربية، على أن توضع ترجمة انجليزية لها يعتمدها وزير العدل وتنشر في الجريدة الرسمية.
قال الشاب: وهل هناك ترجمة تعد بالفعل لهذه القوانين؟
أجاب العجوز: نعم بالطبع.
قال الشاب: ومن الذي يعدها؟
قال العجوز: تعدها شعبة الترجمة بإدارة التشريع بوزارة العدل.
قال الشاب: عمل عظيم هذا الذي تقوم به وزارة العدل عندنا. رد العجوز:نعم بلاشك، وبالمناسبة يمكن لمن أراد أن يحصل على مجموعة كاملة من مجلدات قوانين السودان من الوزارة تحوي كافة القوانين، وبسعر زهيد.
واصل العجوز: وفي هذا الصدد نص القانون على أن النص العربي هو الأصل وله الحجية بالنسبة لجميع القوانين التي صدرت منذ أول يناير سنة ١٩٥٦،على أنه يجوز للمحاكم أن تستعين بالنص الانجليزي في تفسير القوانين الصادرة قبل ذلك التاريخ.
قال الشاب: أعود بك لما بدأت به حديثي وهو موضوع نشر القانون في الجريدة الرسمية.
قال العجوز: نعم، بالنسبة لتنشر القوانين فقد نص القانون في المادة٩ على (يجب أن ينشر كل قانون في الجريدة الرسمية في ظرف أسبوعين  من تاريخ إصداره ويسري العمل به بعد مضي شهر من تاريخ نشره، مالم ينص فيه على تاريخ آخر)
قال الشاب: يبدو لي أن هذه المادة تحتاج منك إلى تفصيل.
رد العجوز: حسنا، هذه المادة تحتوي على ثلاثة محاور.
المحور الأول: وجوب نشر القانون في الجريدة الرسمية في ظرف أسبوعين من تاريخ إصداره.
المحور الثاني: يعمل بالقانون بعد مضي شهر من نشره  في الجريدة الرسمية.
المحور الثالث: يعتبر استثناءً من المحور الثاني.
صمت العجوز فقال الشاب: أظن أني عرفت المحور الثالث.
قال العجوز: وماهو؟
رد الشاب: هو أن القانون يمكن أن يسري من تاريخ آخر غير تاريخ النشر في الجريدة الرسمية.
قال العجوز باسمًا: يبدو إنك تتقدم جيدا. بالفعل حيث يمكن أن ينص القانون على سريانه من تاريخ اخر، وغالبا يكون من تاريخ التوقيع عليه. أو قد ينص فيه على سريانه بعد مدة قدرها كذا من تاريخ توقيعه.
قال الشاب: وهذا يعني أن القانون يكون نافذًا وساريًا وتنطبق نصوصه وتكون له الحجية من تاريخ توقيعه أو من تاريخ آخر إذا تم النص فيه على ذلك؟
أجاب العجوز: نعم، صحيح.
قال الشاب: وهل ينشر في هذه الحالة أيضا في الجريدة الرسمية؟
قال العجوز :نعم، ولعلك تذكر أني قلت لك أن النشر وجوبي.
قال الشاب: ولكن ما الفائدة، طالما أنه سيسري من تاريخ التوقيع عليه أو من تاريخ آخر كما قلت؟
قال العجوز: السبب هو اعتماد النسخة الرسمية من القانون لتكون هي النسخة الرسمية، ولعلك تذكر أن القانون نص على أن النسخة المعتمدة تكون هي تلك المنشورة في الجريدة الرسمية دون سواها.
قال العجوز ذلك ونهض واقفا، فقال الشاب :ألا تنتطر قليلا لتكمل لي ما تبقي؟
رد العجوز :لقد اقتربت مواعيد حظر التجوال، فأريد أن أذهب.
تحرك العجوز قليلا ثم توقف والتفت إلى الشاب وقال كمن تذكر شيئا: بالمناسبة، هناك كثيرون من رواد المقهي يستمعون لحديثنا هذا، وقد لحق بي أحدهم بالأمس اسمه عبد الله قال لي أنه من بورتسودان  وسألني إن كان بإمكانه أن ينقل حديثنا هذا لآخرين.
قال الشاب :وماذا قلت له؟
قال العجوز :قلت له أنقله لمن تشاء.
قال الشاب متنهدا: وانا ايضا بعد أن خرجت أنت سألني شاب اسمه محمد صلاح ذات السؤال.
قال العجوز : وما ذا قلت له؟
قال الشاب ضاحكا: قلت له ما قلته لي.
¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶















 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail:                      Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (5) 
 8 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: عمّ ستحدثني اليوم؟ علما بأنك غبت عني بالأمس.
قال العجوز: نعم حدثت بعض الظروف، لكن سأحدثك اليوم عن عدد من الموضوعات فى قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974
قال الشاب: أنا أصغي.
قال العجوز: جيد، قالوا من أراد أن يكون متحدثا جيدا فعليه أن يكون مسمعه جيدا، أول موضوع هو التشريعات التفويضية.
قال الشاب: التشريعات التفويضية.!  وهل هناك تشريعات وتفويضية وأخرى غير تفويضية؟
قال العجوز: نعم .التشريعات التفويضية هي التشريعات التي يفوض القانون جهة معينة بإصدارها .
قال الشاب: لعلك تقصد اللوائح والقواعد والأوامر.
قال العجوز: بالضبط .وقد سبق أن ذكرنا أن تعريف القانون يشمل هذه التي ذكرتها.
قال الشاب: فهمت . وسميت تشريعات تفويضية؛  لأن القانون ينص على أنه يجوز لجهة معينة قد يكون الوزير المعني أو غيره في إصدار لوائح أو قواعد أو أوامر أليس كذلك .
قال العجوز: صحيح .
تسائل الشاب: ولكن ما فائدة هذه التشريعات التفويضية؟
قال العجوز: في العادة يأتي القانون محملا فيتم إصدار لوائح أو قواعد أو أوامر لتبني كيفية تنفيذه.
قال الشاب: وهل هناك شروط لإصدار هذه التشريعات للتفويضية.
قال العجوز: نعم، بالتأكيد هناك شروط، أولها أن لا تكون مخالفة للقانون الذي صدرت بموجبه.
غمز الشاب بعينه وقال: قاعدة تدرج القوانين .
ابتسم العجوز وقال: الشرط الثاني يتعلق بالعقوبات .
قال الشاب: أيّ عقوبات؟.
رد العجوز: العقوبات الخاصة بمخالفة ما تنص عليه هذه القواعد والأوامر واللوائح.
قال الشاب: ماذا عنها؟
أجاب العجوز: أولا يجب أن يكون القانون الذي صدر بموجبه التشريع التفويضي يسمح بالنص على أن يشمل التشريع التفويضيي عقوبات، وثانيا إذا ورد النص في القانون محملا أي لم يفصل العقوبات فهنا يجب ألا تزيد العقوبة في التشريع التفويضي عن السجن  لشهر واحد أو الغرامة أو العقوبتين معا.
قال الشاب: هذه شروط مهمة يجب أن ينتبه لها واضعو هذه التشريعات .
قال العجوز بجدية: نعم لذلك نصيحتي للمستشارين القانونيين بالوزارات والمصالح الحكومية والمحامين أن تكون معهم نسخة من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة حتى يرجعو لها على الدوام .
قال الشاب: وهل هناك شيء آخر بشأن هذه التشريعات.
قال العجوز: نعم، نص القانون على إيداع نسخة من هذه التشريعات لدى البرلمان فور إصدارها.
قال الشاب: وهل نص القانون على سلطات للبرلمان حيال هذه التشريعات .
قال العجوز: نعم يجوز له إلغاوها خلال شهر من تاريخ إيداعها على أن لا يؤثر ذلك على حصة ما يكون قد تم من تطبيق سابق لها .
قال الشاب: لدي سؤال هنا، وهو إذا تم إلغاء اللائحة فهل يجوز للجهة المعنية إصدار لائحة جديدة حول ذات الموضوع ..














 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (6) 
 9 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
حرارة الصيف تركت أثرها على الحركة في الشارع أمام المقهى، فلاذ الناس بالظل. داخل المقهى جلس الشاب والعجوز. قال الشاب بعد فترة صمت:
يبدو أن الصيف قادم بقوة هذا العام.
قال العجوز: ورمضان اقترب، نسأل الله، وصيام الصيف أجره مضاعف.
قال الشاب: نعم، نسأل الله أن يدخل علينا رمضان و بلادنا والدنيا من حولنا فى أفضل حال.
قال العجوز: آمين، والآن لنواصل حديثنا عما تبقى من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974.
قال الشاب ضاحكا: ألن نشرب شايًا؟ علمًا بأني أحذرك فصديقى خالد عبدالنبي المحامي قال أننا نكثر من شربه في هذا المقهى.
ضحك العجوز وقال: إذا سنتركه اليوم من أجل خاطره، وسنواصل حديثنا وننهي غدا بإذن الله الحديث عن هذا القانون.
قال الشاب: هذا أمر جيد، وها أنا ذا أنصت.
قال العجوز: نص القانون في المادة 14  على سلطة التعيين بالاسم،  وجاء فى هذه المادة أن السلطة التى يعطيها القانون لأي جهة فى تعيين أو اختيار  شخص ليقوم بعمل معين فإن لها فى هذه الحالة سلطتان :الأولى أن تعين شخصا باسمه ليتولى هذا العمل ...
قال الشاب: والسلطة الثانية؟
رد العجوز: هي أن تعهد بذلك إلى الشخص القائم وقتئذ بأعمال الوظيفة.
تساءل الشاب: وهل هناك أثر مختلف لهاتين السلطتين على مباشرة أعمال الوظيفة؟
قال العجوز: لا ليس هناك أي أثر، وفى الحالتين يباشر الشخص سواء الذي تم اختياره بالاسم أو الذي كان يباشرها وقت القرار وعهد بها إليه، يباشر أعمال الوظيفة سواء فورا أو من التاريخ الذي تحدده السلطة المعنية.
قال الشاب: كنت أظن أن هذا القانون تقتصر نصوصه فقط على ما يتعلق بإصدار القوانين.
قال العجوز :كلا فهو يعالج مواضيع أخرى مثل التى ذكرناها.
قال الشاب :وهل هناك مواضيع آخر؟
قال العجوز :نعم هنالك المادة 15 من القانون والتي نصت على أن الجهة التى تملك حق التعيين تكون هي ذاتها التى تملك الحق فى وقف أو عزل أي شخص عينته.
صمت العجوز قليلا ثم قال: وأيضا نصت المادة 16 على أنه إذا حدث تغيير فى اسم أي منصب عام فإن أي إشارة في أي قانون إلى التسمية السابقة تقرأ اعتبارًا من تاريخ التغييرعلى أنها إشارة للمنصب باسمه الجديد.
قال الشاب: كأني فهمت من ذلك أنه ليس بالضرورة أن يتم تعديل القوانين التى وردت فيها تسمية المنصب العام القديم ولا يجوز التمسك بها وإنما تلقائيا تعد إشارة للاسم الجديد.
قال العجوز: كلامك سليم، ومن جانب آخر فقد عالجت الفقرة 2 من ذات المادة مسألة دمج الوزارات والمصالح، فنصت على أنه إذا تم دمج مصلحة أو وزارة فى وزارة أخرى فإن السلطات التى كانت ممنوحة لأي شخص بموجب القانون فى الوزارة أو المصلحة القديمة تؤول للشخص الذي يحدده الوزير المسئول عن الوزارة الجديدة .
قال الشاب: هذا نص جيد فى اعتقادي إذ أنه يمنع التنازع حول هذه الاختصاصات.
قال العجوز: نعم؛، لذلك يجب دوما أن يتم حصر مثل هذه السلطات فى حالة الدمج واتخاذ القرار المناسب بشأن أيلولتها بواسطة الوزير الذي تم دمج الوزارة أو المصلحة في وزارته.
قال الشاب: صحيح، حيث أنه يحدث كثيرا أن لا يتم الاهتمام بمثل هذا الأمر إلى أن يأتي وقت تحتاج فيه الوزارة لاستخدام سلطة معينة بعد الدمج فتجد أنها لم تتخذ قرارا بشأن أيلولتها لشخص معين.
قال العجوز: نعم هذا يحدث أحيانا. ولكن قل لي هل سمعت بعبارة المفوَّض (بفتح الواو) لا يفوِّض (بكسر الواو)؟
قال الشاب: نعم أسمعها كثيرا !
قال العجوز: وهل تدري ماهو سندها القانوني ..؟
قال الشاب: لا .
رد العجوز: سندها موجود في هذا القانون الذي نتحدث عنه .
قال الشاب مندهشا: حقا؟! كنت أظنها فقط قولا يقوله الناس بلا سند.
قال العجوز: ليس كذلك. وأسمع إذا، فقد نصت المادة 17 الفقرة 1 على أنه يجوز لأي جهة لديها سلطة معينة تمارسها بموجب القانون أن تفوض هذه السلطة لشخص أو لأشخاص آخرين، وذلك بشرطين اثنين...رفع الشاب يده اليسرى مضمومة الأصابع ثم فرد منها واحدا، فقال العجوز: الشرط الأول ألا يكون القانون يمنع التفويض صراحة أو ضمنا.
فرد الشاب أصبعا ثانيا، فقال العجوز: الشرط الثاني لا يجوز أن يشمل التفويض سلطة إصدار اللوائح أو القواعد أو الأوامر التي يفوضها لها أي قانون .
أنزل الشاب يده، فقال العجوز: وحتى لا أبتعد بك عن سؤالي الذي سألتك إياه، فإن الفقرة 3من ذات المادة نصت على أنه لا يجوز للشخص الذي تم تفويضه السلطة على النحو المتقدم أن يفوضها إلى شخص آخر مالم ينص القانون صراحة على غير ذلك.
قال الشاب: إذا هذه هي قاعدة (المفوَّض لا يفوِّض) وسندها بالفعل هنا ولكن يبدو لي أن المنع في التفويض ليس مطلقا .
قال العجوز :صحيح فيجوز لمن تم تفويضه أن يفوض غيره فى حالة واحدة ....سارع  الشاب يقول: هي حالة أن ينص القانون على حقه فى تفويض غيره.
ابتسم العجوز وأشار بيده بما يدل على أن قول الشاب صحيح، فقال هذا الأخير: ولكني لاحظت أنك قلت الفقرة 1 من المادة17 ومن ثم قلت الفقرة 3، فأين الفقرة 2؟
قال العجوز :ملاحظتك دقيقة ،الفقرة 2 من المادة 17 تنص على أنه ليس من شأن التفويض أن يمنع السلطة المفوضة (بكسر الواو) من ممارسة سلطاتها التي فوضتها في أي وقت ما لم يظهر قصد مغاير لذلك.
صمت العجوز .فقال الشاب: هل انتهى الحديث؟  قال العجوز :اليوم نعم ، وغدا بإذن الله نكمل.









































 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (7) 
 12 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: حضر بعض الأصدقاء خلال اليومين الماضيين وسألوا عنك.
قال العجوز: كما تعلم أنا لا أحضر للمقهى سوى يومي الجمعة والسبت.
قال الشاب : نعم، وقد أخبرتهم بذلك .
قال العجوز: لك الشكر ولهم، أنا حقيقة استمتع بصحبتهم كثيرا.
قال الشاب: وهم قالو ذلك أيضا، والآن هيا لتفي بوعدك حول إكمال الحديث عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974
قال العجوز: حاضر، علمًا بأنه لم يتبقى الكثير للحديث عنه.
قال الشاب : هيا نكمل .
قال العجوز: تبقى أن نشير إلى أن المادة 18 والتي نصت على سلطة تعيين أعضاء المجالس واللجان والهيئات تعيينا مؤقتا، حيث نصت على أنه إذا فوض القانون إحدى السلطات فى تعيين شخص في عضوية لجنة أو مجلس أو هيئة وتعذر على ذلك الشخص ممارسة عمله فيجوز لتلك السلطة تعيين شخص للقيام بالعمل مؤقتا نيابة عنه لمدة عجزه عن العمل.
قال الشاب: هذا نص واضح ويمكن استخدامه لسد الفراغ فى المناصب.
قال العجوز: أما المادة 19  فقد نصت  على أنه إذا فوض القانون سلطة لتعيين لجنة أو هيئة أو مجلس جاز للسلطة التى تم تفويضها  بذلك أن تعين رئيسا سكرتيرا لذلك المجلس أو الهيئة أو اللجنة مالم يظهر قصد مغاير.
قال الشاب: نص واضح، كذلك وأظن أن القصد المغاير المذكور يقصد به أن يكون القانون الذي فوض السلطة ينص على هذا القصد المغاير.
قال العجوز:نعم، أما المادة  20 فقد نصت على النصاب القانوني للمجالس واللجان وإصدار قراراتها .
صمت الشاب فواصل العجوز قائلا : وفقا لهذه المادة فإن الاجتماع يكون صحيحا بحضور أكثر من نصف الأعضاء، أما القرارات فتصدر بأغلبية أصوات الحاضرين.
قال الشاب: مفهوم.
قال العجوز: الفقرة ج من المادة 20 نصت على أنه إذا وجد عيب فى تعيين أحد الأعضاء أو في صفته فذلك لا يؤثر على أي قرار تم اتخاذه قبل اكتشاف ذلك العيب.
قال الشاب: ماذا يعني هذا ؟
قال العجوز: يعني أنه قد يشوب تعيين أحد أعضاء هذه اللجان والمجلس والهيئات خطأ، كأن يتم تعيين رئيس إدارة معينة عضوا فى حين أنه كان من الأنسب أن يتم تعيين آخر، ففي هذه الحالة من المتوقع أن يكون هذا العضو قد مارس عمله بموجب القرار المعيب وقد يكون شارك فى اتخاذ قرارات، فهنا لا يؤثر اكتشاف الخطأ على صحة القرارات التي يكون قد شارك فيها.
 قال الشاب: واضح.  وأظن أن هذا يساعد في عدم تعطيل عجلة العمل  بإعادة النظر في كل ما سبق أن تم اتخاذه من قرارات قبل اكتشاف العيب.
قال العجوز: هناك أمر آخر  نصت  عليه  الفقرة  ج من  المادة  20 وهو  أنه إذا وقعت مخالفة طفيفة أو ذات صفة  فنية  فى الدعوة  إلى اجتماع  أو في إجراءات الجلسة فلا يؤثرعلى صحة ما تم اتخاذه من قرارات في الجلسة.
قال الشاب: ولكن ماهو المعيار حتى نقول إن هذا الإجراء فني او أنه خطأ طفيف؟
قال العجوز: القانون لم يفصل ذلك، لكنه ربط ذلك بشيئين هما الدعوة للاجتماع أو إجراءات الجلسة وأظن ليس من الصعب أن يتم معرفة ما إذا كان الإجراء فنيا أو موضوعيا وما إذا كان الخطأ طفيفا أو جسيما حيث أن ذلك يتعلق بطبيعة عمل كل جهة من الجهات المقصودة.
قال الشاب: ربما... وربما يقول قائل أنه كان من الأفضل أن يتم حصر المسائل الجوهرية في القانون وبالتالي يعتبر ما عداها أخطاء طفيفة.
قال العجوز: لا بأس بقولك، علما بأنه من المبادئ المعروفة أنه  لا صحيح أو خطأ فى القانون حيث أن المعيار هو الرأي الراجح والرأي المرجوح .
صمت العجوز فقال الشاب: هل هذا كل شيء؟
قال العجوز: يمكنك القول أن هذا هو أهم ما ورد فى هذا القانون.
مال الشاب إلى الأمام مستندا بمرفقيه الى المنضدة، وقال: وعن ماذا ستحدثني فى الأيام القادمة بإذن الله؟
رجع العجوز فى كرسيه للوراء وقال مشيرا إلى حقيبة بجوار الشاب: ماذا في هذه الحقيبة؟
نظر الشاب الى الحقيبة وقال: هذه حقيبة  حاسبي المحمول .
أشار العجوز إلى يد الشاب وقال: وماهذا؟
رفع الشاب يده وقال: هذا؟ هذا تلفونى الجوال.
أشار العجوز إلى إذن الشاب وقال: وهذه؟
وضع الشاب يده على أذنه وقال باسما: هذه سماعة بلوتوث.
قال العجوز: إذا من الواضح أنك محاط بمظاهر التكنولوجيا.
قال الشاب وقد واتسعت ابتسامته: إنها سمة العصر.
نهض العجوز وهو يقول: إذا سيكون حديثي القادم معك عن أشياء لها علاقة بسمة العصر هذه.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

سم الله الرحمن الرحيم
على مقهى في الشارع القانوني  ( سلسلة الحلقات من 1-  7) : قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
-------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لشرح القوانين بصورة مبسطة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (1) 
6  ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
على مقعده المفضل في المقهى جلس العجوز مسترخيًا، يرشف من كوب الشاي رشفات صغيرة كأنه يستمهله كي لا ينفد، وقد غرق في مراقبة الشارع والناس، وأفاق من شروده على صوت المقعد المقابل يحركه الشاب وهو يقول ضاحكا: مرحبًا.. ما كل هذا الاستغراق والشرود ؟
رمقه العجوز من خلف نظارته باسما وقال: هناك الكثير مما يستحق التفكير فيه .
قال الشاب :صحيح، وبينما أنا في طريقي إليك كان يستغرقني التفكير في مشكلة  أظنني سأجد حلها عندك.
قال العجوز وهويتناول آخر رشفة من كوبه: هات ما عندك، ماهي هذه المشكلة.!
رد الشاب: حسنا، الموضوع وما فيه هو أنني كنت أتساءل عن كيفية وضع القوانين، هل هناك قانون إطاري عام يكون هو الضابط الذي يتم الاستناد إليه ليكون ضابطا عند إصدار القوانين وينظم كل ما يتعلق بها؟
ابتسم العجوز وقال: مسألة مهمة بالفعل والإجابة هي نعم يوجد قانون ينظم هذه المسألة.
تساءل الشاب: وما هو؟
رد العجوز: هناك قانون اسمه قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974.
هتف الشاب: قانون قديم !
قال العجوز في هدوء: نعم ولك أن تعلم أن قدم السودان راسخة في مجال التشريعات، فهناك قوانين سارية منذ عام 1902 ، كما أن هذا القانون ألغى القانون الذي سبقه وهو قانون سنة 1955 والذي كان ينظم ذات الموضوع، ولكن هذا أمر آخر .أنت الآن تريد أن تعرف عن هذا القانون وتفاصيله، أليس كذلك؟
رد الشاب: بلا شك
اعتدل العجوز وقال: اسمع إذا، هذا القانون صدر بتاريخ21 / مايو 1974، ويحتوي على 33 مادة ومهمته الأساسية هو وضع الإطار العام الذي ينبغي أن تكون عليه القوانين في كل تفاصيلها .
ظل الشاب صامتًا فواصل العجوز قائلا: بدأ هذا القانون نصوصه بتعريفات مهمة.
قال الشاب: أظن أن أهم ما يجب أن يكون قد عرفه القانون هو مصطلح القانون نفسه فماذا يعني؟
رد العجوز باسما :نعم هذه ملاحظة مهمة، وقد أورد تعريف القانون كما يلي (هو أي تشريع بخلاف الدستور ويشمل القوانين والمراسيم المؤقتة وأي لوائح أو قواعد أو تشريعات فرعية أو أوامر صادرة بموجب القوانين) .
فرقع الشاب اصبعه وقال: انتظر انتظر، واحدة واحدة، نرجع من البداية. قلت إن تعريف القانون يشمل كل ما ذكرته ما عدا الدستور؟
رد العجوز: نعم.
قال الشاب: إذا الدستور لا يعد قانونا.
قال العجوز: نعم الدستور يعتبر هو الأسمى والأعلى درجة، وتخضع له كل القوانين ويحب ألا تصدر بالمخالفة له وإلا اتسمت بسمة عدم الدستورية، وصارت باطلة، فهو في مرتبة أعلى وأسمى.
قال الشاب: إذا وفقًا لهذا القانون فإن (القانون) يقصد به (القوانين المراسيم المؤقتة واللوائح والقواعد والتشريعات) وهذه الخمس الأخيرة يتوجب أن تكون صادرة بموجب القانون.
قال الشاب: ماذا تعني بعبارة "صادرة بموجب القانون"؟
أجاب العجوز: يعني أن يكون القانون ينص على أن تقوم جهة معينة بإصدار هذه اللوائح أو القواعد أو الأوامر .
قال الشاب :لدي سؤال هنا، وهو هل هذا التدرج في ذكر هذه الأنواع من القوانين مقصود؛ أعني هل الترتيب الذي ورد للقوانين ثم اللوائح و..و..هل له معنى؟
أجاب العجوز: طبعا له معنى، وهذا التدرج ينشئ قاعدة تسمى قاعدة (تدرج القوانين) ومفادها أن القانون الأدنى يجب ألا يخالف القانون الأعلى، وإلا أصبح باطلا، فمثلا اللائحة يجب ألا تخالف القانون الذي صدرت بموجبه، وقس على ذلك.
قال الشاب: هذه قاعدة مهمة بلا شك، ترتب القوانين وتمنع تضارُبها.
قال العجوز وهو ينهض :هي كذلك بالفعل .
قال الشاب :إلى أين؟ وهل هذا كل ما في هذا القانون؟
أجاب العجوز ضاحكا: كلا بالطبع هناك الكثير، لكن يكفي هذا اليوم وغدا أواصل معك بإذن الله.































 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (2) 
4  ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
جلس الشاب  إلى المنضدة  التي اعتاد الجلوس إليها مع العجوز، رآه الجرسون فأقبل إليه محييا، قال الشاب وهو يروح وجهه بصحيفة: لا تقل لي شيئا عن الشاي في هذا الجو الحار.
ضحك الجرسون وقال: وماله الشاي أنه يرطب الجسم في الحر.
قال الشاب باستياء : أنت تريد الترويج لبضاعتك ليس إلا.
وصل العجوز في هذه اللحظة فسحب الكرسي المقابل، وقال وهو يجلس: ما هذا الجدل عن البضائع وترويجها؟
قال الشاب مشيرا للجرسون: لا شىء سوى أن هذا الصديق يريد أن يسقيني شايا في هذا الصيف اللاّهب ، أحضر لنا ماءً باردًا وبعدها سنرى.
انصرف الجرسون فقال الشاب لقد سبقتك هذا اليوم في المجيء ، والآن هيا لنكمل ما بدأناه عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ...
قاطعه العجوز قائلا: لسنة 1974 ، ماذا قلنا عنه بالامس .
رد الشاب: تحدثنا عن تاريخه وتعريفه لمصطلح القانون وعن قاعدة تدرج القوانين .
قال العجوز: حسنا. وأظن أنه من الأفضل أن نواصل في التعريفات قبل أن نتناول تفاصيل القانون .
قال الشاب: لا بأس .
قال العجوز: من أهم التعريفات التي وردت فيه تعريف الجريدة الرسمية.
قال الشاب: عظيم لقد كنت أسمع هذا المصطلح كثيرا فما هو تعريفه ؟
قال العجوز: الجريدة الرسمية وفقًا لهذا القانون هي (الجريدة الرسمية لحكومة السودان والجريدة الرسمية الولائية وتشمل جميع ملاحقها)
تحرك الشاب في مقعده، فرفع العجوز يده وقال باسمًا:
لا بأس ، فهمتك وسأزيدك ايضاحا، الجريدة الرسمية هي المكان الذي تنشر فيه القوانين وفقا للتعريف الذي ذكرناه إضافة إلى أي قرارات مطلوب نشرها لتأخذ الحجية أي تأخذ قوتها القانونية بعد نشرها في هذه الجريدة.
تساءل الشاب: وأين توجد هذه الجريدة وما هو شكلها..؟
رد العجوز: توجد في وزارة العدل و تحديدا هي وحدة تتبع لإدارة التشريع بالوزارة، أما شكلها فهي عبارة عن مجلدات تنشر فيها ما يوجب القانون نشره ويثبت فيها تاريخ النشر وساعته حتى يمكن الاحتجاج بذلك بدءًا من هذا التاريخ والوقت .
قال الشاب وهو يتناول أكواب الماء التي أحضرها الجرسون في هذه اللحظة ويضعها على المائدة: فهمت من كلامك أن هناك جرائد رسمية ولائية.
قال العجوز: نعم توجد جرائد رسمية ولائية تنشر فيها القوانين وغيرها ذات الشأن الولائي.
قال الشاب: وهل هذه الجريدة سرية أم يمكن الاطلاع عليها؟
رد العجوز: على العكس، هي متاحة بل يمكن الحصول على نسخ منها أو أي جزء مما تحتويه نظير مبلغ مالي رمزي.
قال الشاب: جيد. ولكنك أيضا ذكرت أن تعريف الجريدة الرسمية مهم فما هو وجه أهميته؟
رد العجوز: الأهمية تنبع من أهمية الجريدة نفسها حيث إن القوانين وغيرها أحيانا لا تكون لها أي حجية مالم تنشر فيها، وبالتالي تصبح في حكم العدم و سنتناول  ذلك بالتفصيل عند الحديث عن سريان القوانين.
قال الشاب: وهل هناك تعريفات مهمة أخرى؟
تناول العجوز كوب الماء فتناول الشاب كوبه هو الآخر وتجرعه، وقال العجوز: نعم، عرف القانون الشخص بأنه أي شخص طبيعي وتشمل أي شركة أو جمعية أو هيئة من الأشخاص سواء كانت لها شخصية اعتبارية أم لم تكن.
قال الشاب: شخصية اعتبارية؟ كثيرا ما أسمع بهذه الكلمة فما معناها؟
قال العجوز: الشخصية الاعتبارية أو الشخصية المعنوية هي صفة يمنحها القانون لجهات معينة مثل الشركات، وهي بهذه الصفة تكتسب قدرة على التعامل بصفة منفصلة عن صفة أصحابها المالكين لها، كأن تتعاقد باسمها وتتقاضى باسمها، ويكون لها حسابات في البنوك باسمها، وتكون لها بالتالي  صفة أشبه بصفة الإنسان الطبيعي، حيث تكون لها ولادة وحياة وموت، حيث ولادتها هي شهادة التأسيس ووفاتها هي التصفية وحياتها هي ممارسة نشاطها بين هاتين المرحلتين.
ضحك الشاب ضحكة عالية فقال العجوز: مالك؟
قال الشاب: لي صديق إذا أراد وصف شخص أعجبه يقول لي أن هذا الشخص ذو شخصية اعتبارية، وأنا نفسي  كنت أظن أنه بذلك قد رفع من قدره.
شاركه العجوز الضحك ونهض قائلا: لا أظن، فهو قد جعله من الناحية القانونية -على الاقل- في مرتبة أدنى من الإنسان الطبيعي، وأنا لست ضليعًا في اللغة لكن أظن من الأفضل أن يقول له أنه ذو شخصية معتبرة.
قال الشاب: ألن تشرب كوبًا من الشاي؟
قال العجوز: على رأيك الجو حار ...ربما غدا.. 

























 ------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (3) 
5 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: بالأمس رفضت أن تشرب الشاي، لذلك سيكون عليك اليوم أن تشرب كوبين.
ضحك العجوز وقال: لا بأس، اطلبها أنت وسأواصل أنا حديثي عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤
قال الشاب: يبدو لي أن هذا القانون يحتاج للكثير من التفصيل.
أومأ العجوز برأسه موافقًا وقال: اتفق معك فيما قلت.
قال الشاب وهو يشير إلى عامل المقهى ليحض ثلاثة أكواب: حسنا، هات ماعندك.
قال العجوز: نعم،ولكن قبل أن أبدأ، هل لديك سؤال أو موضوع نبدأ به الحديث؟
قال الشاب: نعم أود أن تتحدث لي عن موضوع تفسير القانون، فهل نظم القانون الذي نتحدث عنه هذه المسألة؟
قال العجوز: نعم بالطبع، فقد نص القانون على الآتي فيما يتعلق بتفسير القوانين (تفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شرع  من أجله، ويفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض على سواه)
قال الشاب: إذا من خلال هذا النص فإن القاعدة الأساسية في تفسير القوانين هي (تحقيق الغرض الذي من أجله تم وضع القانون)
قال العجوز: نعم. لذلك على المحاكم عند تطبيق القانون أن تستصحب دومًا قصد المشرع الذي من أجله تم إصدار القانون تحقيقًا للغرض منه، كما أن المادة نفسها نصت على أن التفسير الذي يحقق هذا الغرض هو المفصل على سواه من التفاسير.
قال الشاب: إذا أعتقد أنه من اجل ذلك يتم إرفاق مذكرة مع كل قانون.
قال العجوز :نعم نعم، وهي تسمى بالمذكرة التفسيرية وهي مهمة جدًا حيث يتم اللجوء إليها لمعرفة ملابسات إصدار القانون والغرض الاساسي منه.
قال الشاب: وأين نجد هذه المذكرات التفسيرية؟
رد العجوز: تكون عادة في ملف القانون بالجريدة الرسمية.
جاء العامل بالشاي، فتناول الشاب كوبين ووضعهما أمام العجوز وأخذ الثالث وقال :كلام جميل، وماذا أيضا؟
أجاب العجوز: هناك نصوص تنظم تعارض القوانين وسيادة الأحكام
تساءل الشاب: وماهي؟
قال العجوز وهو يتناول كوب الشاي الثاني: حسنا، ينص القانون على أنه في حالة تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض.
هتف الشاب: هذا يذكرني بكلامك في الجلسة الأولى حول أن الدستور هو الأسمى والأعلى درجة.
قال العجوز: نعم وقد قلت لك وقتها أن القانون إذا خالف الدستور يعد باطلا ويكون معيبا بعيب عدم الدستورية.
قال الشاب مترددا :ولكن...
ابتسم العجوز وقال: ولكن ماذا؟
قال الشاب: لفت نظري أنك قلت في حالة تعارض أي نص، ولم تقل تعارض أي قانون.
ازدادت ابتسامة العجوز وقال: بالفعل ملاحظة مهمة، والإجابة نجدها في التعريفات الواردة في القانون نفسه.
اعتدل الشاب في جلسته وقال: وكيف ذلك؟
قال العجوز: حسنا، ركز فيما سأقول.  القانون أورد تعريفا لمصطلح (الكلمات) جاء كالآتي: الكلمات الواردة بصيغة المفرد تشمل الجمع والواردة بصيغة الجمع تشمل المفرد.
نظر الشاب إلى أعلى وردد بصوت خفيض: الجمع يشمل المفرد والمفرد يشمل الجمع. ثم نظر إلى العجوز وقال رافعا صوته: فهمت، فهمت فمثلا إذا قلنا كلمة (نص) فذلك يمكن أن يعني كلمة (نصوص) .
ضحك العجوز وصفق بيديه صفقتين خفيفتين وقال: "صحيح.. صحيح.. وفي نصنا الماثل يمكن أن نقول أن (النصوص) المخالفة للدستور يشملها ذات الحكم، وبما أن القانون هو مجموعة نصوص فيمكن أن يكون القانون كله غير دستوري أو...
قاطعه الشاب بصوت عال: أو يمكن أن يكون نصًا واحدًا أو عددًا من النصوص داخل القانون الواحد هي المخالفة للدستور ويكون باقيه صحيحًا.
خبط العجوز المنضدة بيده وقال: نعم، وفي هذه الحالة لا يكون القانون كله غير دستوري وإنما النص أو النصوص المخالفة فقط.
قال الشاب: عظيم، كنت قد ذكرت شيئا عن سيادة أحكام القانون.
قال العجوز :نعم، وأقصد بها سيادة حكم القانون اللاحق على القانون السابق.
تسائل الشاب: أولا ما المقصود بالقانون اللاحق والقانون السابق؟  رد العجوز: قد يكون هناك قانون ينظم مسألة ثم يأتي قانون في وقت لاحق ينظم ذات الموضوع، فهنا تسود أحكام القانون اللاحق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما.
قال الشاب :اسمع كثيرًا عبارة (الخاص يقيد العام) فهل نظمها هذا القانون؟
قال العجوز: يبدو أن ثقافتك القانونية لا بأس بها.
ابتسم الشاب، فأكمل العجوز: نعم نصّ القانون على الآتي في المادة 4 (يعتبر أي قانون خاص أو أي حكم خاص بأي مسألة في أي قانون استثناءً من أي قانون عام أو نصوص عامة في أي قانون يحكم تلك المسألة)
قال الشاب: هل يمكنك أن توضح قليلا؟
أجاب العجوز: اضرب لك مثلا، هناك قوانين تنظم أمورًا خاصة بفئات معينة ولتكن فئة الأطفال مثلا. في هذه الحالة إذا صدر قانون خاص بالطفل فهذا يعد قانونا خاصا يقيد النصوص العامة الخاصة بهم في القانون الجنائي مثلا، والذي يعد في هذه الحالة قانونًا عامًا.
قال الشاب: فهمت.
التفت العجوز جهة عامل المقهى، فقال الشاب: ماذا؟
قال العجوز وهو يعود في كرسيه للوراء ويمسح عينيه: لا شيء لكنني أظن أني في حاجة لكوب شاي ثالث.  -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail:                      Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (4) 
 6 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974

التقى الشاب والعجوز عند باب المقهى، مد الشاب يده ليصافحه فقال العجوز:  هل نسيت تعليمات الصحة؟ لا مصافحة.
ضحك الشاب وضرب يده بالأخرى وقال: كثيرا ما أنسى، دعنا نجلس.
مضيا إلى ركنهما المعتاد، جلسا وقال العجوز:
دعنا نبدأ لنواصل حديثنا عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤.
اعتدل الشاب في جلسته وقال: أرجو أن تحدثني اليوم عن نشر القانون في الجريدة الرسمية.
قال العجوز: بالطبع فهذا موضوع مهم، ولكن هناك معلومة لابد من معرفتها وهي أن القانون نص على أن تكون لغة القوانين التي تعد بها مشروعاتها هي اللغة العربية، على أن توضع ترجمة انجليزية لها يعتمدها وزير العدل وتنشر في الجريدة الرسمية.
قال الشاب: وهل هناك ترجمة تعد بالفعل لهذه القوانين؟
أجاب العجوز: نعم بالطبع.
قال الشاب: ومن الذي يعدها؟
قال العجوز: تعدها شعبة الترجمة بإدارة التشريع بوزارة العدل.
قال الشاب: عمل عظيم هذا الذي تقوم به وزارة العدل عندنا. رد العجوز:نعم بلاشك، وبالمناسبة يمكن لمن أراد أن يحصل على مجموعة كاملة من مجلدات قوانين السودان من الوزارة تحوي كافة القوانين، وبسعر زهيد.
واصل العجوز: وفي هذا الصدد نص القانون على أن النص العربي هو الأصل وله الحجية بالنسبة لجميع القوانين التي صدرت منذ أول يناير سنة ١٩٥٦،على أنه يجوز للمحاكم أن تستعين بالنص الانجليزي في تفسير القوانين الصادرة قبل ذلك التاريخ.
قال الشاب: أعود بك لما بدأت به حديثي وهو موضوع نشر القانون في الجريدة الرسمية.
قال العجوز: نعم، بالنسبة لتنشر القوانين فقد نص القانون في المادة٩ على (يجب أن ينشر كل قانون في الجريدة الرسمية في ظرف أسبوعين  من تاريخ إصداره ويسري العمل به بعد مضي شهر من تاريخ نشره، مالم ينص فيه على تاريخ آخر)
قال الشاب: يبدو لي أن هذه المادة تحتاج منك إلى تفصيل.
رد العجوز: حسنا، هذه المادة تحتوي على ثلاثة محاور.
المحور الأول: وجوب نشر القانون في الجريدة الرسمية في ظرف أسبوعين من تاريخ إصداره.
المحور الثاني: يعمل بالقانون بعد مضي شهر من نشره  في الجريدة الرسمية.
المحور الثالث: يعتبر استثناءً من المحور الثاني.
صمت العجوز فقال الشاب: أظن أني عرفت المحور الثالث.
قال العجوز: وماهو؟
رد الشاب: هو أن القانون يمكن أن يسري من تاريخ آخر غير تاريخ النشر في الجريدة الرسمية.
قال العجوز باسمًا: يبدو إنك تتقدم جيدا. بالفعل حيث يمكن أن ينص القانون على سريانه من تاريخ اخر، وغالبا يكون من تاريخ التوقيع عليه. أو قد ينص فيه على سريانه بعد مدة قدرها كذا من تاريخ توقيعه.
قال الشاب: وهذا يعني أن القانون يكون نافذًا وساريًا وتنطبق نصوصه وتكون له الحجية من تاريخ توقيعه أو من تاريخ آخر إذا تم النص فيه على ذلك؟
أجاب العجوز: نعم، صحيح.
قال الشاب: وهل ينشر في هذه الحالة أيضا في الجريدة الرسمية؟
قال العجوز :نعم، ولعلك تذكر أني قلت لك أن النشر وجوبي.
قال الشاب: ولكن ما الفائدة، طالما أنه سيسري من تاريخ التوقيع عليه أو من تاريخ آخر كما قلت؟
قال العجوز: السبب هو اعتماد النسخة الرسمية من القانون لتكون هي النسخة الرسمية، ولعلك تذكر أن القانون نص على أن النسخة المعتمدة تكون هي تلك المنشورة في الجريدة الرسمية دون سواها.
قال العجوز ذلك ونهض واقفا، فقال الشاب :ألا تنتطر قليلا لتكمل لي ما تبقي؟
رد العجوز :لقد اقتربت مواعيد حظر التجوال، فأريد أن أذهب.
تحرك العجوز قليلا ثم توقف والتفت إلى الشاب وقال كمن تذكر شيئا: بالمناسبة، هناك كثيرون من رواد المقهي يستمعون لحديثنا هذا، وقد لحق بي أحدهم بالأمس اسمه عبد الله قال لي أنه من بورتسودان  وسألني إن كان بإمكانه أن ينقل حديثنا هذا لآخرين.
قال الشاب :وماذا قلت له؟
قال العجوز :قلت له أنقله لمن تشاء.
قال الشاب متنهدا: وانا ايضا بعد أن خرجت أنت سألني شاب اسمه محمد صلاح ذات السؤال.
قال العجوز : وما ذا قلت له؟
قال الشاب ضاحكا: قلت له ما قلته لي.
¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶















 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail:                      Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (5) 
 8 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: عمّ ستحدثني اليوم؟ علما بأنك غبت عني بالأمس.
قال العجوز: نعم حدثت بعض الظروف، لكن سأحدثك اليوم عن عدد من الموضوعات فى قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974
قال الشاب: أنا أصغي.
قال العجوز: جيد، قالوا من أراد أن يكون متحدثا جيدا فعليه أن يكون مسمعه جيدا، أول موضوع هو التشريعات التفويضية.
قال الشاب: التشريعات التفويضية.!  وهل هناك تشريعات وتفويضية وأخرى غير تفويضية؟
قال العجوز: نعم .التشريعات التفويضية هي التشريعات التي يفوض القانون جهة معينة بإصدارها .
قال الشاب: لعلك تقصد اللوائح والقواعد والأوامر.
قال العجوز: بالضبط .وقد سبق أن ذكرنا أن تعريف القانون يشمل هذه التي ذكرتها.
قال الشاب: فهمت . وسميت تشريعات تفويضية؛  لأن القانون ينص على أنه يجوز لجهة معينة قد يكون الوزير المعني أو غيره في إصدار لوائح أو قواعد أو أوامر أليس كذلك .
قال العجوز: صحيح .
تسائل الشاب: ولكن ما فائدة هذه التشريعات التفويضية؟
قال العجوز: في العادة يأتي القانون محملا فيتم إصدار لوائح أو قواعد أو أوامر لتبني كيفية تنفيذه.
قال الشاب: وهل هناك شروط لإصدار هذه التشريعات للتفويضية.
قال العجوز: نعم، بالتأكيد هناك شروط، أولها أن لا تكون مخالفة للقانون الذي صدرت بموجبه.
غمز الشاب بعينه وقال: قاعدة تدرج القوانين .
ابتسم العجوز وقال: الشرط الثاني يتعلق بالعقوبات .
قال الشاب: أيّ عقوبات؟.
رد العجوز: العقوبات الخاصة بمخالفة ما تنص عليه هذه القواعد والأوامر واللوائح.
قال الشاب: ماذا عنها؟
أجاب العجوز: أولا يجب أن يكون القانون الذي صدر بموجبه التشريع التفويضي يسمح بالنص على أن يشمل التشريع التفويضيي عقوبات، وثانيا إذا ورد النص في القانون محملا أي لم يفصل العقوبات فهنا يجب ألا تزيد العقوبة في التشريع التفويضي عن السجن  لشهر واحد أو الغرامة أو العقوبتين معا.
قال الشاب: هذه شروط مهمة يجب أن ينتبه لها واضعو هذه التشريعات .
قال العجوز بجدية: نعم لذلك نصيحتي للمستشارين القانونيين بالوزارات والمصالح الحكومية والمحامين أن تكون معهم نسخة من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة حتى يرجعو لها على الدوام .
قال الشاب: وهل هناك شيء آخر بشأن هذه التشريعات.
قال العجوز: نعم، نص القانون على إيداع نسخة من هذه التشريعات لدى البرلمان فور إصدارها.
قال الشاب: وهل نص القانون على سلطات للبرلمان حيال هذه التشريعات .
قال العجوز: نعم يجوز له إلغاوها خلال شهر من تاريخ إيداعها على أن لا يؤثر ذلك على حصة ما يكون قد تم من تطبيق سابق لها .
قال الشاب: لدي سؤال هنا، وهو إذا تم إلغاء اللائحة فهل يجوز للجهة المعنية إصدار لائحة جديدة حول ذات الموضوع ..














 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (6) 
 9 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
حرارة الصيف تركت أثرها على الحركة في الشارع أمام المقهى، فلاذ الناس بالظل. داخل المقهى جلس الشاب والعجوز. قال الشاب بعد فترة صمت:
يبدو أن الصيف قادم بقوة هذا العام.
قال العجوز: ورمضان اقترب، نسأل الله، وصيام الصيف أجره مضاعف.
قال الشاب: نعم، نسأل الله أن يدخل علينا رمضان و بلادنا والدنيا من حولنا فى أفضل حال.
قال العجوز: آمين، والآن لنواصل حديثنا عما تبقى من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974.
قال الشاب ضاحكا: ألن نشرب شايًا؟ علمًا بأني أحذرك فصديقى خالد عبدالنبي المحامي قال أننا نكثر من شربه في هذا المقهى.
ضحك العجوز وقال: إذا سنتركه اليوم من أجل خاطره، وسنواصل حديثنا وننهي غدا بإذن الله الحديث عن هذا القانون.
قال الشاب: هذا أمر جيد، وها أنا ذا أنصت.
قال العجوز: نص القانون في المادة 14  على سلطة التعيين بالاسم،  وجاء فى هذه المادة أن السلطة التى يعطيها القانون لأي جهة فى تعيين أو اختيار  شخص ليقوم بعمل معين فإن لها فى هذه الحالة سلطتان :الأولى أن تعين شخصا باسمه ليتولى هذا العمل ...
قال الشاب: والسلطة الثانية؟
رد العجوز: هي أن تعهد بذلك إلى الشخص القائم وقتئذ بأعمال الوظيفة.
تساءل الشاب: وهل هناك أثر مختلف لهاتين السلطتين على مباشرة أعمال الوظيفة؟
قال العجوز: لا ليس هناك أي أثر، وفى الحالتين يباشر الشخص سواء الذي تم اختياره بالاسم أو الذي كان يباشرها وقت القرار وعهد بها إليه، يباشر أعمال الوظيفة سواء فورا أو من التاريخ الذي تحدده السلطة المعنية.
قال الشاب: كنت أظن أن هذا القانون تقتصر نصوصه فقط على ما يتعلق بإصدار القوانين.
قال العجوز :كلا فهو يعالج مواضيع أخرى مثل التى ذكرناها.
قال الشاب :وهل هناك مواضيع آخر؟
قال العجوز :نعم هنالك المادة 15 من القانون والتي نصت على أن الجهة التى تملك حق التعيين تكون هي ذاتها التى تملك الحق فى وقف أو عزل أي شخص عينته.
صمت العجوز قليلا ثم قال: وأيضا نصت المادة 16 على أنه إذا حدث تغيير فى اسم أي منصب عام فإن أي إشارة في أي قانون إلى التسمية السابقة تقرأ اعتبارًا من تاريخ التغييرعلى أنها إشارة للمنصب باسمه الجديد.
قال الشاب: كأني فهمت من ذلك أنه ليس بالضرورة أن يتم تعديل القوانين التى وردت فيها تسمية المنصب العام القديم ولا يجوز التمسك بها وإنما تلقائيا تعد إشارة للاسم الجديد.
قال العجوز: كلامك سليم، ومن جانب آخر فقد عالجت الفقرة 2 من ذات المادة مسألة دمج الوزارات والمصالح، فنصت على أنه إذا تم دمج مصلحة أو وزارة فى وزارة أخرى فإن السلطات التى كانت ممنوحة لأي شخص بموجب القانون فى الوزارة أو المصلحة القديمة تؤول للشخص الذي يحدده الوزير المسئول عن الوزارة الجديدة .
قال الشاب: هذا نص جيد فى اعتقادي إذ أنه يمنع التنازع حول هذه الاختصاصات.
قال العجوز: نعم؛، لذلك يجب دوما أن يتم حصر مثل هذه السلطات فى حالة الدمج واتخاذ القرار المناسب بشأن أيلولتها بواسطة الوزير الذي تم دمج الوزارة أو المصلحة في وزارته.
قال الشاب: صحيح، حيث أنه يحدث كثيرا أن لا يتم الاهتمام بمثل هذا الأمر إلى أن يأتي وقت تحتاج فيه الوزارة لاستخدام سلطة معينة بعد الدمج فتجد أنها لم تتخذ قرارا بشأن أيلولتها لشخص معين.
قال العجوز: نعم هذا يحدث أحيانا. ولكن قل لي هل سمعت بعبارة المفوَّض (بفتح الواو) لا يفوِّض (بكسر الواو)؟
قال الشاب: نعم أسمعها كثيرا !
قال العجوز: وهل تدري ماهو سندها القانوني ..؟
قال الشاب: لا .
رد العجوز: سندها موجود في هذا القانون الذي نتحدث عنه .
قال الشاب مندهشا: حقا؟! كنت أظنها فقط قولا يقوله الناس بلا سند.
قال العجوز: ليس كذلك. وأسمع إذا، فقد نصت المادة 17 الفقرة 1 على أنه يجوز لأي جهة لديها سلطة معينة تمارسها بموجب القانون أن تفوض هذه السلطة لشخص أو لأشخاص آخرين، وذلك بشرطين اثنين...رفع الشاب يده اليسرى مضمومة الأصابع ثم فرد منها واحدا، فقال العجوز: الشرط الأول ألا يكون القانون يمنع التفويض صراحة أو ضمنا.
فرد الشاب أصبعا ثانيا، فقال العجوز: الشرط الثاني لا يجوز أن يشمل التفويض سلطة إصدار اللوائح أو القواعد أو الأوامر التي يفوضها لها أي قانون .
أنزل الشاب يده، فقال العجوز: وحتى لا أبتعد بك عن سؤالي الذي سألتك إياه، فإن الفقرة 3من ذات المادة نصت على أنه لا يجوز للشخص الذي تم تفويضه السلطة على النحو المتقدم أن يفوضها إلى شخص آخر مالم ينص القانون صراحة على غير ذلك.
قال الشاب: إذا هذه هي قاعدة (المفوَّض لا يفوِّض) وسندها بالفعل هنا ولكن يبدو لي أن المنع في التفويض ليس مطلقا .
قال العجوز :صحيح فيجوز لمن تم تفويضه أن يفوض غيره فى حالة واحدة ....سارع  الشاب يقول: هي حالة أن ينص القانون على حقه فى تفويض غيره.
ابتسم العجوز وأشار بيده بما يدل على أن قول الشاب صحيح، فقال هذا الأخير: ولكني لاحظت أنك قلت الفقرة 1 من المادة17 ومن ثم قلت الفقرة 3، فأين الفقرة 2؟
قال العجوز :ملاحظتك دقيقة ،الفقرة 2 من المادة 17 تنص على أنه ليس من شأن التفويض أن يمنع السلطة المفوضة (بكسر الواو) من ممارسة سلطاتها التي فوضتها في أي وقت ما لم يظهر قصد مغاير لذلك.
صمت العجوز .فقال الشاب: هل انتهى الحديث؟  قال العجوز :اليوم نعم ، وغدا بإذن الله نكمل.









































 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (7) 
 12 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: حضر بعض الأصدقاء خلال اليومين الماضيين وسألوا عنك.
قال العجوز: كما تعلم أنا لا أحضر للمقهى سوى يومي الجمعة والسبت.
قال الشاب : نعم، وقد أخبرتهم بذلك .
قال العجوز: لك الشكر ولهم، أنا حقيقة استمتع بصحبتهم كثيرا.
قال الشاب: وهم قالو ذلك أيضا، والآن هيا لتفي بوعدك حول إكمال الحديث عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974
قال العجوز: حاضر، علمًا بأنه لم يتبقى الكثير للحديث عنه.
قال الشاب : هيا نكمل .
قال العجوز: تبقى أن نشير إلى أن المادة 18 والتي نصت على سلطة تعيين أعضاء المجالس واللجان والهيئات تعيينا مؤقتا، حيث نصت على أنه إذا فوض القانون إحدى السلطات فى تعيين شخص في عضوية لجنة أو مجلس أو هيئة وتعذر على ذلك الشخص ممارسة عمله فيجوز لتلك السلطة تعيين شخص للقيام بالعمل مؤقتا نيابة عنه لمدة عجزه عن العمل.
قال الشاب: هذا نص واضح ويمكن استخدامه لسد الفراغ فى المناصب.
قال العجوز: أما المادة 19  فقد نصت  على أنه إذا فوض القانون سلطة لتعيين لجنة أو هيئة أو مجلس جاز للسلطة التى تم تفويضها  بذلك أن تعين رئيسا سكرتيرا لذلك المجلس أو الهيئة أو اللجنة مالم يظهر قصد مغاير.
قال الشاب: نص واضح، كذلك وأظن أن القصد المغاير المذكور يقصد به أن يكون القانون الذي فوض السلطة ينص على هذا القصد المغاير.
قال العجوز:نعم، أما المادة  20 فقد نصت على النصاب القانوني للمجالس واللجان وإصدار قراراتها .
صمت الشاب فواصل العجوز قائلا : وفقا لهذه المادة فإن الاجتماع يكون صحيحا بحضور أكثر من نصف الأعضاء، أما القرارات فتصدر بأغلبية أصوات الحاضرين.
قال الشاب: مفهوم.
قال العجوز: الفقرة ج من المادة 20 نصت على أنه إذا وجد عيب فى تعيين أحد الأعضاء أو في صفته فذلك لا يؤثر على أي قرار تم اتخاذه قبل اكتشاف ذلك العيب.
قال الشاب: ماذا يعني هذا ؟
قال العجوز: يعني أنه قد يشوب تعيين أحد أعضاء هذه اللجان والمجلس والهيئات خطأ، كأن يتم تعيين رئيس إدارة معينة عضوا فى حين أنه كان من الأنسب أن يتم تعيين آخر، ففي هذه الحالة من المتوقع أن يكون هذا العضو قد مارس عمله بموجب القرار المعيب وقد يكون شارك فى اتخاذ قرارات، فهنا لا يؤثر اكتشاف الخطأ على صحة القرارات التي يكون قد شارك فيها.
 قال الشاب: واضح.  وأظن أن هذا يساعد في عدم تعطيل عجلة العمل  بإعادة النظر في كل ما سبق أن تم اتخاذه من قرارات قبل اكتشاف العيب.
قال العجوز: هناك أمر آخر  نصت  عليه  الفقرة  ج من  المادة  20 وهو  أنه إذا وقعت مخالفة طفيفة أو ذات صفة  فنية  فى الدعوة  إلى اجتماع  أو في إجراءات الجلسة فلا يؤثرعلى صحة ما تم اتخاذه من قرارات في الجلسة.
قال الشاب: ولكن ماهو المعيار حتى نقول إن هذا الإجراء فني او أنه خطأ طفيف؟
قال العجوز: القانون لم يفصل ذلك، لكنه ربط ذلك بشيئين هما الدعوة للاجتماع أو إجراءات الجلسة وأظن ليس من الصعب أن يتم معرفة ما إذا كان الإجراء فنيا أو موضوعيا وما إذا كان الخطأ طفيفا أو جسيما حيث أن ذلك يتعلق بطبيعة عمل كل جهة من الجهات المقصودة.
قال الشاب: ربما... وربما يقول قائل أنه كان من الأفضل أن يتم حصر المسائل الجوهرية في القانون وبالتالي يعتبر ما عداها أخطاء طفيفة.
قال العجوز: لا بأس بقولك، علما بأنه من المبادئ المعروفة أنه  لا صحيح أو خطأ فى القانون حيث أن المعيار هو الرأي الراجح والرأي المرجوح .
صمت العجوز فقال الشاب: هل هذا كل شيء؟
قال العجوز: يمكنك القول أن هذا هو أهم ما ورد فى هذا القانون.
مال الشاب إلى الأمام مستندا بمرفقيه الى المنضدة، وقال: وعن ماذا ستحدثني فى الأيام القادمة بإذن الله؟
رجع العجوز فى كرسيه للوراء وقال مشيرا إلى حقيبة بجوار الشاب: ماذا في هذه الحقيبة؟
نظر الشاب الى الحقيبة وقال: هذه حقيبة  حاسبي المحمول .
أشار العجوز إلى يد الشاب وقال: وماهذا؟
رفع الشاب يده وقال: هذا؟ هذا تلفونى الجوال.
أشار العجوز إلى إذن الشاب وقال: وهذه؟
وضع الشاب يده على أذنه وقال باسما: هذه سماعة بلوتوث.
قال العجوز: إذا من الواضح أنك محاط بمظاهر التكنولوجيا.
قال الشاب وقد واتسعت ابتسامته: إنها سمة العصر.
نهض العجوز وهو يقول: إذا سيكون حديثي القادم معك عن أشياء لها علاقة بسمة العصر هذه.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&

سم الله الرحمن الرحيم
على مقهى في الشارع القانوني  ( سلسلة الحلقات من 1-  7) : قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
-------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لشرح القوانين بصورة مبسطة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (1) 
6  ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
على مقعده المفضل في المقهى جلس العجوز مسترخيًا، يرشف من كوب الشاي رشفات صغيرة كأنه يستمهله كي لا ينفد، وقد غرق في مراقبة الشارع والناس، وأفاق من شروده على صوت المقعد المقابل يحركه الشاب وهو يقول ضاحكا: مرحبًا.. ما كل هذا الاستغراق والشرود ؟
رمقه العجوز من خلف نظارته باسما وقال: هناك الكثير مما يستحق التفكير فيه .
قال الشاب :صحيح، وبينما أنا في طريقي إليك كان يستغرقني التفكير في مشكلة  أظنني سأجد حلها عندك.
قال العجوز وهويتناول آخر رشفة من كوبه: هات ما عندك، ماهي هذه المشكلة.!
رد الشاب: حسنا، الموضوع وما فيه هو أنني كنت أتساءل عن كيفية وضع القوانين، هل هناك قانون إطاري عام يكون هو الضابط الذي يتم الاستناد إليه ليكون ضابطا عند إصدار القوانين وينظم كل ما يتعلق بها؟
ابتسم العجوز وقال: مسألة مهمة بالفعل والإجابة هي نعم يوجد قانون ينظم هذه المسألة.
تساءل الشاب: وما هو؟
رد العجوز: هناك قانون اسمه قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974.
هتف الشاب: قانون قديم !
قال العجوز في هدوء: نعم ولك أن تعلم أن قدم السودان راسخة في مجال التشريعات، فهناك قوانين سارية منذ عام 1902 ، كما أن هذا القانون ألغى القانون الذي سبقه وهو قانون سنة 1955 والذي كان ينظم ذات الموضوع، ولكن هذا أمر آخر .أنت الآن تريد أن تعرف عن هذا القانون وتفاصيله، أليس كذلك؟
رد الشاب: بلا شك
اعتدل العجوز وقال: اسمع إذا، هذا القانون صدر بتاريخ21 / مايو 1974، ويحتوي على 33 مادة ومهمته الأساسية هو وضع الإطار العام الذي ينبغي أن تكون عليه القوانين في كل تفاصيلها .
ظل الشاب صامتًا فواصل العجوز قائلا: بدأ هذا القانون نصوصه بتعريفات مهمة.
قال الشاب: أظن أن أهم ما يجب أن يكون قد عرفه القانون هو مصطلح القانون نفسه فماذا يعني؟
رد العجوز باسما :نعم هذه ملاحظة مهمة، وقد أورد تعريف القانون كما يلي (هو أي تشريع بخلاف الدستور ويشمل القوانين والمراسيم المؤقتة وأي لوائح أو قواعد أو تشريعات فرعية أو أوامر صادرة بموجب القوانين) .
فرقع الشاب اصبعه وقال: انتظر انتظر، واحدة واحدة، نرجع من البداية. قلت إن تعريف القانون يشمل كل ما ذكرته ما عدا الدستور؟
رد العجوز: نعم.
قال الشاب: إذا الدستور لا يعد قانونا.
قال العجوز: نعم الدستور يعتبر هو الأسمى والأعلى درجة، وتخضع له كل القوانين ويحب ألا تصدر بالمخالفة له وإلا اتسمت بسمة عدم الدستورية، وصارت باطلة، فهو في مرتبة أعلى وأسمى.
قال الشاب: إذا وفقًا لهذا القانون فإن (القانون) يقصد به (القوانين المراسيم المؤقتة واللوائح والقواعد والتشريعات) وهذه الخمس الأخيرة يتوجب أن تكون صادرة بموجب القانون.
قال الشاب: ماذا تعني بعبارة "صادرة بموجب القانون"؟
أجاب العجوز: يعني أن يكون القانون ينص على أن تقوم جهة معينة بإصدار هذه اللوائح أو القواعد أو الأوامر .
قال الشاب :لدي سؤال هنا، وهو هل هذا التدرج في ذكر هذه الأنواع من القوانين مقصود؛ أعني هل الترتيب الذي ورد للقوانين ثم اللوائح و..و..هل له معنى؟
أجاب العجوز: طبعا له معنى، وهذا التدرج ينشئ قاعدة تسمى قاعدة (تدرج القوانين) ومفادها أن القانون الأدنى يجب ألا يخالف القانون الأعلى، وإلا أصبح باطلا، فمثلا اللائحة يجب ألا تخالف القانون الذي صدرت بموجبه، وقس على ذلك.
قال الشاب: هذه قاعدة مهمة بلا شك، ترتب القوانين وتمنع تضارُبها.
قال العجوز وهو ينهض :هي كذلك بالفعل .
قال الشاب :إلى أين؟ وهل هذا كل ما في هذا القانون؟
أجاب العجوز ضاحكا: كلا بالطبع هناك الكثير، لكن يكفي هذا اليوم وغدا أواصل معك بإذن الله.































 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (2) 
4  ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
جلس الشاب  إلى المنضدة  التي اعتاد الجلوس إليها مع العجوز، رآه الجرسون فأقبل إليه محييا، قال الشاب وهو يروح وجهه بصحيفة: لا تقل لي شيئا عن الشاي في هذا الجو الحار.
ضحك الجرسون وقال: وماله الشاي أنه يرطب الجسم في الحر.
قال الشاب باستياء : أنت تريد الترويج لبضاعتك ليس إلا.
وصل العجوز في هذه اللحظة فسحب الكرسي المقابل، وقال وهو يجلس: ما هذا الجدل عن البضائع وترويجها؟
قال الشاب مشيرا للجرسون: لا شىء سوى أن هذا الصديق يريد أن يسقيني شايا في هذا الصيف اللاّهب ، أحضر لنا ماءً باردًا وبعدها سنرى.
انصرف الجرسون فقال الشاب لقد سبقتك هذا اليوم في المجيء ، والآن هيا لنكمل ما بدأناه عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ...
قاطعه العجوز قائلا: لسنة 1974 ، ماذا قلنا عنه بالامس .
رد الشاب: تحدثنا عن تاريخه وتعريفه لمصطلح القانون وعن قاعدة تدرج القوانين .
قال العجوز: حسنا. وأظن أنه من الأفضل أن نواصل في التعريفات قبل أن نتناول تفاصيل القانون .
قال الشاب: لا بأس .
قال العجوز: من أهم التعريفات التي وردت فيه تعريف الجريدة الرسمية.
قال الشاب: عظيم لقد كنت أسمع هذا المصطلح كثيرا فما هو تعريفه ؟
قال العجوز: الجريدة الرسمية وفقًا لهذا القانون هي (الجريدة الرسمية لحكومة السودان والجريدة الرسمية الولائية وتشمل جميع ملاحقها)
تحرك الشاب في مقعده، فرفع العجوز يده وقال باسمًا:
لا بأس ، فهمتك وسأزيدك ايضاحا، الجريدة الرسمية هي المكان الذي تنشر فيه القوانين وفقا للتعريف الذي ذكرناه إضافة إلى أي قرارات مطلوب نشرها لتأخذ الحجية أي تأخذ قوتها القانونية بعد نشرها في هذه الجريدة.
تساءل الشاب: وأين توجد هذه الجريدة وما هو شكلها..؟
رد العجوز: توجد في وزارة العدل و تحديدا هي وحدة تتبع لإدارة التشريع بالوزارة، أما شكلها فهي عبارة عن مجلدات تنشر فيها ما يوجب القانون نشره ويثبت فيها تاريخ النشر وساعته حتى يمكن الاحتجاج بذلك بدءًا من هذا التاريخ والوقت .
قال الشاب وهو يتناول أكواب الماء التي أحضرها الجرسون في هذه اللحظة ويضعها على المائدة: فهمت من كلامك أن هناك جرائد رسمية ولائية.
قال العجوز: نعم توجد جرائد رسمية ولائية تنشر فيها القوانين وغيرها ذات الشأن الولائي.
قال الشاب: وهل هذه الجريدة سرية أم يمكن الاطلاع عليها؟
رد العجوز: على العكس، هي متاحة بل يمكن الحصول على نسخ منها أو أي جزء مما تحتويه نظير مبلغ مالي رمزي.
قال الشاب: جيد. ولكنك أيضا ذكرت أن تعريف الجريدة الرسمية مهم فما هو وجه أهميته؟
رد العجوز: الأهمية تنبع من أهمية الجريدة نفسها حيث إن القوانين وغيرها أحيانا لا تكون لها أي حجية مالم تنشر فيها، وبالتالي تصبح في حكم العدم و سنتناول  ذلك بالتفصيل عند الحديث عن سريان القوانين.
قال الشاب: وهل هناك تعريفات مهمة أخرى؟
تناول العجوز كوب الماء فتناول الشاب كوبه هو الآخر وتجرعه، وقال العجوز: نعم، عرف القانون الشخص بأنه أي شخص طبيعي وتشمل أي شركة أو جمعية أو هيئة من الأشخاص سواء كانت لها شخصية اعتبارية أم لم تكن.
قال الشاب: شخصية اعتبارية؟ كثيرا ما أسمع بهذه الكلمة فما معناها؟
قال العجوز: الشخصية الاعتبارية أو الشخصية المعنوية هي صفة يمنحها القانون لجهات معينة مثل الشركات، وهي بهذه الصفة تكتسب قدرة على التعامل بصفة منفصلة عن صفة أصحابها المالكين لها، كأن تتعاقد باسمها وتتقاضى باسمها، ويكون لها حسابات في البنوك باسمها، وتكون لها بالتالي  صفة أشبه بصفة الإنسان الطبيعي، حيث تكون لها ولادة وحياة وموت، حيث ولادتها هي شهادة التأسيس ووفاتها هي التصفية وحياتها هي ممارسة نشاطها بين هاتين المرحلتين.
ضحك الشاب ضحكة عالية فقال العجوز: مالك؟
قال الشاب: لي صديق إذا أراد وصف شخص أعجبه يقول لي أن هذا الشخص ذو شخصية اعتبارية، وأنا نفسي  كنت أظن أنه بذلك قد رفع من قدره.
شاركه العجوز الضحك ونهض قائلا: لا أظن، فهو قد جعله من الناحية القانونية -على الاقل- في مرتبة أدنى من الإنسان الطبيعي، وأنا لست ضليعًا في اللغة لكن أظن من الأفضل أن يقول له أنه ذو شخصية معتبرة.
قال الشاب: ألن تشرب كوبًا من الشاي؟
قال العجوز: على رأيك الجو حار ...ربما غدا.. 

























 ------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (3) 
5 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: بالأمس رفضت أن تشرب الشاي، لذلك سيكون عليك اليوم أن تشرب كوبين.
ضحك العجوز وقال: لا بأس، اطلبها أنت وسأواصل أنا حديثي عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤
قال الشاب: يبدو لي أن هذا القانون يحتاج للكثير من التفصيل.
أومأ العجوز برأسه موافقًا وقال: اتفق معك فيما قلت.
قال الشاب وهو يشير إلى عامل المقهى ليحض ثلاثة أكواب: حسنا، هات ماعندك.
قال العجوز: نعم،ولكن قبل أن أبدأ، هل لديك سؤال أو موضوع نبدأ به الحديث؟
قال الشاب: نعم أود أن تتحدث لي عن موضوع تفسير القانون، فهل نظم القانون الذي نتحدث عنه هذه المسألة؟
قال العجوز: نعم بالطبع، فقد نص القانون على الآتي فيما يتعلق بتفسير القوانين (تفسر نصوص أي قانون بما يحقق الغرض الذي شرع  من أجله، ويفضل في جميع الحالات التفسير الذي يحقق هذا الغرض على سواه)
قال الشاب: إذا من خلال هذا النص فإن القاعدة الأساسية في تفسير القوانين هي (تحقيق الغرض الذي من أجله تم وضع القانون)
قال العجوز: نعم. لذلك على المحاكم عند تطبيق القانون أن تستصحب دومًا قصد المشرع الذي من أجله تم إصدار القانون تحقيقًا للغرض منه، كما أن المادة نفسها نصت على أن التفسير الذي يحقق هذا الغرض هو المفصل على سواه من التفاسير.
قال الشاب: إذا أعتقد أنه من اجل ذلك يتم إرفاق مذكرة مع كل قانون.
قال العجوز :نعم نعم، وهي تسمى بالمذكرة التفسيرية وهي مهمة جدًا حيث يتم اللجوء إليها لمعرفة ملابسات إصدار القانون والغرض الاساسي منه.
قال الشاب: وأين نجد هذه المذكرات التفسيرية؟
رد العجوز: تكون عادة في ملف القانون بالجريدة الرسمية.
جاء العامل بالشاي، فتناول الشاب كوبين ووضعهما أمام العجوز وأخذ الثالث وقال :كلام جميل، وماذا أيضا؟
أجاب العجوز: هناك نصوص تنظم تعارض القوانين وسيادة الأحكام
تساءل الشاب: وماهي؟
قال العجوز وهو يتناول كوب الشاي الثاني: حسنا، ينص القانون على أنه في حالة تعارض أي نص في أي قانون مع أي حكم من أحكام الدستور تسود أحكام الدستور بالقدر الذي يزيل ذلك التعارض.
هتف الشاب: هذا يذكرني بكلامك في الجلسة الأولى حول أن الدستور هو الأسمى والأعلى درجة.
قال العجوز: نعم وقد قلت لك وقتها أن القانون إذا خالف الدستور يعد باطلا ويكون معيبا بعيب عدم الدستورية.
قال الشاب مترددا :ولكن...
ابتسم العجوز وقال: ولكن ماذا؟
قال الشاب: لفت نظري أنك قلت في حالة تعارض أي نص، ولم تقل تعارض أي قانون.
ازدادت ابتسامة العجوز وقال: بالفعل ملاحظة مهمة، والإجابة نجدها في التعريفات الواردة في القانون نفسه.
اعتدل الشاب في جلسته وقال: وكيف ذلك؟
قال العجوز: حسنا، ركز فيما سأقول.  القانون أورد تعريفا لمصطلح (الكلمات) جاء كالآتي: الكلمات الواردة بصيغة المفرد تشمل الجمع والواردة بصيغة الجمع تشمل المفرد.
نظر الشاب إلى أعلى وردد بصوت خفيض: الجمع يشمل المفرد والمفرد يشمل الجمع. ثم نظر إلى العجوز وقال رافعا صوته: فهمت، فهمت فمثلا إذا قلنا كلمة (نص) فذلك يمكن أن يعني كلمة (نصوص) .
ضحك العجوز وصفق بيديه صفقتين خفيفتين وقال: "صحيح.. صحيح.. وفي نصنا الماثل يمكن أن نقول أن (النصوص) المخالفة للدستور يشملها ذات الحكم، وبما أن القانون هو مجموعة نصوص فيمكن أن يكون القانون كله غير دستوري أو...
قاطعه الشاب بصوت عال: أو يمكن أن يكون نصًا واحدًا أو عددًا من النصوص داخل القانون الواحد هي المخالفة للدستور ويكون باقيه صحيحًا.
خبط العجوز المنضدة بيده وقال: نعم، وفي هذه الحالة لا يكون القانون كله غير دستوري وإنما النص أو النصوص المخالفة فقط.
قال الشاب: عظيم، كنت قد ذكرت شيئا عن سيادة أحكام القانون.
قال العجوز :نعم، وأقصد بها سيادة حكم القانون اللاحق على القانون السابق.
تسائل الشاب: أولا ما المقصود بالقانون اللاحق والقانون السابق؟  رد العجوز: قد يكون هناك قانون ينظم مسألة ثم يأتي قانون في وقت لاحق ينظم ذات الموضوع، فهنا تسود أحكام القانون اللاحق بالقدر الذي يزيل التعارض بينهما.
قال الشاب :اسمع كثيرًا عبارة (الخاص يقيد العام) فهل نظمها هذا القانون؟
قال العجوز: يبدو أن ثقافتك القانونية لا بأس بها.
ابتسم الشاب، فأكمل العجوز: نعم نصّ القانون على الآتي في المادة 4 (يعتبر أي قانون خاص أو أي حكم خاص بأي مسألة في أي قانون استثناءً من أي قانون عام أو نصوص عامة في أي قانون يحكم تلك المسألة)
قال الشاب: هل يمكنك أن توضح قليلا؟
أجاب العجوز: اضرب لك مثلا، هناك قوانين تنظم أمورًا خاصة بفئات معينة ولتكن فئة الأطفال مثلا. في هذه الحالة إذا صدر قانون خاص بالطفل فهذا يعد قانونا خاصا يقيد النصوص العامة الخاصة بهم في القانون الجنائي مثلا، والذي يعد في هذه الحالة قانونًا عامًا.
قال الشاب: فهمت.
التفت العجوز جهة عامل المقهى، فقال الشاب: ماذا؟
قال العجوز وهو يعود في كرسيه للوراء ويمسح عينيه: لا شيء لكنني أظن أني في حاجة لكوب شاي ثالث.  -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail:                      Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (4) 
 6 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974

التقى الشاب والعجوز عند باب المقهى، مد الشاب يده ليصافحه فقال العجوز:  هل نسيت تعليمات الصحة؟ لا مصافحة.
ضحك الشاب وضرب يده بالأخرى وقال: كثيرا ما أنسى، دعنا نجلس.
مضيا إلى ركنهما المعتاد، جلسا وقال العجوز:
دعنا نبدأ لنواصل حديثنا عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة ١٩٧٤.
اعتدل الشاب في جلسته وقال: أرجو أن تحدثني اليوم عن نشر القانون في الجريدة الرسمية.
قال العجوز: بالطبع فهذا موضوع مهم، ولكن هناك معلومة لابد من معرفتها وهي أن القانون نص على أن تكون لغة القوانين التي تعد بها مشروعاتها هي اللغة العربية، على أن توضع ترجمة انجليزية لها يعتمدها وزير العدل وتنشر في الجريدة الرسمية.
قال الشاب: وهل هناك ترجمة تعد بالفعل لهذه القوانين؟
أجاب العجوز: نعم بالطبع.
قال الشاب: ومن الذي يعدها؟
قال العجوز: تعدها شعبة الترجمة بإدارة التشريع بوزارة العدل.
قال الشاب: عمل عظيم هذا الذي تقوم به وزارة العدل عندنا. رد العجوز:نعم بلاشك، وبالمناسبة يمكن لمن أراد أن يحصل على مجموعة كاملة من مجلدات قوانين السودان من الوزارة تحوي كافة القوانين، وبسعر زهيد.
واصل العجوز: وفي هذا الصدد نص القانون على أن النص العربي هو الأصل وله الحجية بالنسبة لجميع القوانين التي صدرت منذ أول يناير سنة ١٩٥٦،على أنه يجوز للمحاكم أن تستعين بالنص الانجليزي في تفسير القوانين الصادرة قبل ذلك التاريخ.
قال الشاب: أعود بك لما بدأت به حديثي وهو موضوع نشر القانون في الجريدة الرسمية.
قال العجوز: نعم، بالنسبة لتنشر القوانين فقد نص القانون في المادة٩ على (يجب أن ينشر كل قانون في الجريدة الرسمية في ظرف أسبوعين  من تاريخ إصداره ويسري العمل به بعد مضي شهر من تاريخ نشره، مالم ينص فيه على تاريخ آخر)
قال الشاب: يبدو لي أن هذه المادة تحتاج منك إلى تفصيل.
رد العجوز: حسنا، هذه المادة تحتوي على ثلاثة محاور.
المحور الأول: وجوب نشر القانون في الجريدة الرسمية في ظرف أسبوعين من تاريخ إصداره.
المحور الثاني: يعمل بالقانون بعد مضي شهر من نشره  في الجريدة الرسمية.
المحور الثالث: يعتبر استثناءً من المحور الثاني.
صمت العجوز فقال الشاب: أظن أني عرفت المحور الثالث.
قال العجوز: وماهو؟
رد الشاب: هو أن القانون يمكن أن يسري من تاريخ آخر غير تاريخ النشر في الجريدة الرسمية.
قال العجوز باسمًا: يبدو إنك تتقدم جيدا. بالفعل حيث يمكن أن ينص القانون على سريانه من تاريخ اخر، وغالبا يكون من تاريخ التوقيع عليه. أو قد ينص فيه على سريانه بعد مدة قدرها كذا من تاريخ توقيعه.
قال الشاب: وهذا يعني أن القانون يكون نافذًا وساريًا وتنطبق نصوصه وتكون له الحجية من تاريخ توقيعه أو من تاريخ آخر إذا تم النص فيه على ذلك؟
أجاب العجوز: نعم، صحيح.
قال الشاب: وهل ينشر في هذه الحالة أيضا في الجريدة الرسمية؟
قال العجوز :نعم، ولعلك تذكر أني قلت لك أن النشر وجوبي.
قال الشاب: ولكن ما الفائدة، طالما أنه سيسري من تاريخ التوقيع عليه أو من تاريخ آخر كما قلت؟
قال العجوز: السبب هو اعتماد النسخة الرسمية من القانون لتكون هي النسخة الرسمية، ولعلك تذكر أن القانون نص على أن النسخة المعتمدة تكون هي تلك المنشورة في الجريدة الرسمية دون سواها.
قال العجوز ذلك ونهض واقفا، فقال الشاب :ألا تنتطر قليلا لتكمل لي ما تبقي؟
رد العجوز :لقد اقتربت مواعيد حظر التجوال، فأريد أن أذهب.
تحرك العجوز قليلا ثم توقف والتفت إلى الشاب وقال كمن تذكر شيئا: بالمناسبة، هناك كثيرون من رواد المقهي يستمعون لحديثنا هذا، وقد لحق بي أحدهم بالأمس اسمه عبد الله قال لي أنه من بورتسودان  وسألني إن كان بإمكانه أن ينقل حديثنا هذا لآخرين.
قال الشاب :وماذا قلت له؟
قال العجوز :قلت له أنقله لمن تشاء.
قال الشاب متنهدا: وانا ايضا بعد أن خرجت أنت سألني شاب اسمه محمد صلاح ذات السؤال.
قال العجوز : وما ذا قلت له؟
قال الشاب ضاحكا: قلت له ما قلته لي.
¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶¶















 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                          E-mail:                      Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (5) 
 8 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: عمّ ستحدثني اليوم؟ علما بأنك غبت عني بالأمس.
قال العجوز: نعم حدثت بعض الظروف، لكن سأحدثك اليوم عن عدد من الموضوعات فى قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974
قال الشاب: أنا أصغي.
قال العجوز: جيد، قالوا من أراد أن يكون متحدثا جيدا فعليه أن يكون مسمعه جيدا، أول موضوع هو التشريعات التفويضية.
قال الشاب: التشريعات التفويضية.!  وهل هناك تشريعات وتفويضية وأخرى غير تفويضية؟
قال العجوز: نعم .التشريعات التفويضية هي التشريعات التي يفوض القانون جهة معينة بإصدارها .
قال الشاب: لعلك تقصد اللوائح والقواعد والأوامر.
قال العجوز: بالضبط .وقد سبق أن ذكرنا أن تعريف القانون يشمل هذه التي ذكرتها.
قال الشاب: فهمت . وسميت تشريعات تفويضية؛  لأن القانون ينص على أنه يجوز لجهة معينة قد يكون الوزير المعني أو غيره في إصدار لوائح أو قواعد أو أوامر أليس كذلك .
قال العجوز: صحيح .
تسائل الشاب: ولكن ما فائدة هذه التشريعات التفويضية؟
قال العجوز: في العادة يأتي القانون محملا فيتم إصدار لوائح أو قواعد أو أوامر لتبني كيفية تنفيذه.
قال الشاب: وهل هناك شروط لإصدار هذه التشريعات للتفويضية.
قال العجوز: نعم، بالتأكيد هناك شروط، أولها أن لا تكون مخالفة للقانون الذي صدرت بموجبه.
غمز الشاب بعينه وقال: قاعدة تدرج القوانين .
ابتسم العجوز وقال: الشرط الثاني يتعلق بالعقوبات .
قال الشاب: أيّ عقوبات؟.
رد العجوز: العقوبات الخاصة بمخالفة ما تنص عليه هذه القواعد والأوامر واللوائح.
قال الشاب: ماذا عنها؟
أجاب العجوز: أولا يجب أن يكون القانون الذي صدر بموجبه التشريع التفويضي يسمح بالنص على أن يشمل التشريع التفويضيي عقوبات، وثانيا إذا ورد النص في القانون محملا أي لم يفصل العقوبات فهنا يجب ألا تزيد العقوبة في التشريع التفويضي عن السجن  لشهر واحد أو الغرامة أو العقوبتين معا.
قال الشاب: هذه شروط مهمة يجب أن ينتبه لها واضعو هذه التشريعات .
قال العجوز بجدية: نعم لذلك نصيحتي للمستشارين القانونيين بالوزارات والمصالح الحكومية والمحامين أن تكون معهم نسخة من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة حتى يرجعو لها على الدوام .
قال الشاب: وهل هناك شيء آخر بشأن هذه التشريعات.
قال العجوز: نعم، نص القانون على إيداع نسخة من هذه التشريعات لدى البرلمان فور إصدارها.
قال الشاب: وهل نص القانون على سلطات للبرلمان حيال هذه التشريعات .
قال العجوز: نعم يجوز له إلغاوها خلال شهر من تاريخ إيداعها على أن لا يؤثر ذلك على حصة ما يكون قد تم من تطبيق سابق لها .
قال الشاب: لدي سؤال هنا، وهو إذا تم إلغاء اللائحة فهل يجوز للجهة المعنية إصدار لائحة جديدة حول ذات الموضوع ..














 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: Ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (6) 
 9 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
حرارة الصيف تركت أثرها على الحركة في الشارع أمام المقهى، فلاذ الناس بالظل. داخل المقهى جلس الشاب والعجوز. قال الشاب بعد فترة صمت:
يبدو أن الصيف قادم بقوة هذا العام.
قال العجوز: ورمضان اقترب، نسأل الله، وصيام الصيف أجره مضاعف.
قال الشاب: نعم، نسأل الله أن يدخل علينا رمضان و بلادنا والدنيا من حولنا فى أفضل حال.
قال العجوز: آمين، والآن لنواصل حديثنا عما تبقى من قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974.
قال الشاب ضاحكا: ألن نشرب شايًا؟ علمًا بأني أحذرك فصديقى خالد عبدالنبي المحامي قال أننا نكثر من شربه في هذا المقهى.
ضحك العجوز وقال: إذا سنتركه اليوم من أجل خاطره، وسنواصل حديثنا وننهي غدا بإذن الله الحديث عن هذا القانون.
قال الشاب: هذا أمر جيد، وها أنا ذا أنصت.
قال العجوز: نص القانون في المادة 14  على سلطة التعيين بالاسم،  وجاء فى هذه المادة أن السلطة التى يعطيها القانون لأي جهة فى تعيين أو اختيار  شخص ليقوم بعمل معين فإن لها فى هذه الحالة سلطتان :الأولى أن تعين شخصا باسمه ليتولى هذا العمل ...
قال الشاب: والسلطة الثانية؟
رد العجوز: هي أن تعهد بذلك إلى الشخص القائم وقتئذ بأعمال الوظيفة.
تساءل الشاب: وهل هناك أثر مختلف لهاتين السلطتين على مباشرة أعمال الوظيفة؟
قال العجوز: لا ليس هناك أي أثر، وفى الحالتين يباشر الشخص سواء الذي تم اختياره بالاسم أو الذي كان يباشرها وقت القرار وعهد بها إليه، يباشر أعمال الوظيفة سواء فورا أو من التاريخ الذي تحدده السلطة المعنية.
قال الشاب: كنت أظن أن هذا القانون تقتصر نصوصه فقط على ما يتعلق بإصدار القوانين.
قال العجوز :كلا فهو يعالج مواضيع أخرى مثل التى ذكرناها.
قال الشاب :وهل هناك مواضيع آخر؟
قال العجوز :نعم هنالك المادة 15 من القانون والتي نصت على أن الجهة التى تملك حق التعيين تكون هي ذاتها التى تملك الحق فى وقف أو عزل أي شخص عينته.
صمت العجوز قليلا ثم قال: وأيضا نصت المادة 16 على أنه إذا حدث تغيير فى اسم أي منصب عام فإن أي إشارة في أي قانون إلى التسمية السابقة تقرأ اعتبارًا من تاريخ التغييرعلى أنها إشارة للمنصب باسمه الجديد.
قال الشاب: كأني فهمت من ذلك أنه ليس بالضرورة أن يتم تعديل القوانين التى وردت فيها تسمية المنصب العام القديم ولا يجوز التمسك بها وإنما تلقائيا تعد إشارة للاسم الجديد.
قال العجوز: كلامك سليم، ومن جانب آخر فقد عالجت الفقرة 2 من ذات المادة مسألة دمج الوزارات والمصالح، فنصت على أنه إذا تم دمج مصلحة أو وزارة فى وزارة أخرى فإن السلطات التى كانت ممنوحة لأي شخص بموجب القانون فى الوزارة أو المصلحة القديمة تؤول للشخص الذي يحدده الوزير المسئول عن الوزارة الجديدة .
قال الشاب: هذا نص جيد فى اعتقادي إذ أنه يمنع التنازع حول هذه الاختصاصات.
قال العجوز: نعم؛، لذلك يجب دوما أن يتم حصر مثل هذه السلطات فى حالة الدمج واتخاذ القرار المناسب بشأن أيلولتها بواسطة الوزير الذي تم دمج الوزارة أو المصلحة في وزارته.
قال الشاب: صحيح، حيث أنه يحدث كثيرا أن لا يتم الاهتمام بمثل هذا الأمر إلى أن يأتي وقت تحتاج فيه الوزارة لاستخدام سلطة معينة بعد الدمج فتجد أنها لم تتخذ قرارا بشأن أيلولتها لشخص معين.
قال العجوز: نعم هذا يحدث أحيانا. ولكن قل لي هل سمعت بعبارة المفوَّض (بفتح الواو) لا يفوِّض (بكسر الواو)؟
قال الشاب: نعم أسمعها كثيرا !
قال العجوز: وهل تدري ماهو سندها القانوني ..؟
قال الشاب: لا .
رد العجوز: سندها موجود في هذا القانون الذي نتحدث عنه .
قال الشاب مندهشا: حقا؟! كنت أظنها فقط قولا يقوله الناس بلا سند.
قال العجوز: ليس كذلك. وأسمع إذا، فقد نصت المادة 17 الفقرة 1 على أنه يجوز لأي جهة لديها سلطة معينة تمارسها بموجب القانون أن تفوض هذه السلطة لشخص أو لأشخاص آخرين، وذلك بشرطين اثنين...رفع الشاب يده اليسرى مضمومة الأصابع ثم فرد منها واحدا، فقال العجوز: الشرط الأول ألا يكون القانون يمنع التفويض صراحة أو ضمنا.
فرد الشاب أصبعا ثانيا، فقال العجوز: الشرط الثاني لا يجوز أن يشمل التفويض سلطة إصدار اللوائح أو القواعد أو الأوامر التي يفوضها لها أي قانون .
أنزل الشاب يده، فقال العجوز: وحتى لا أبتعد بك عن سؤالي الذي سألتك إياه، فإن الفقرة 3من ذات المادة نصت على أنه لا يجوز للشخص الذي تم تفويضه السلطة على النحو المتقدم أن يفوضها إلى شخص آخر مالم ينص القانون صراحة على غير ذلك.
قال الشاب: إذا هذه هي قاعدة (المفوَّض لا يفوِّض) وسندها بالفعل هنا ولكن يبدو لي أن المنع في التفويض ليس مطلقا .
قال العجوز :صحيح فيجوز لمن تم تفويضه أن يفوض غيره فى حالة واحدة ....سارع  الشاب يقول: هي حالة أن ينص القانون على حقه فى تفويض غيره.
ابتسم العجوز وأشار بيده بما يدل على أن قول الشاب صحيح، فقال هذا الأخير: ولكني لاحظت أنك قلت الفقرة 1 من المادة17 ومن ثم قلت الفقرة 3، فأين الفقرة 2؟
قال العجوز :ملاحظتك دقيقة ،الفقرة 2 من المادة 17 تنص على أنه ليس من شأن التفويض أن يمنع السلطة المفوضة (بكسر الواو) من ممارسة سلطاتها التي فوضتها في أي وقت ما لم يظهر قصد مغاير لذلك.
صمت العجوز .فقال الشاب: هل انتهى الحديث؟  قال العجوز :اليوم نعم ، وغدا بإذن الله نكمل.









































 -------------------------------------------------------------------------         
على مقهى في الشارع القانوني
 ☕☕☕☕☕☕☕
  (محاولة لتوصيل الثقافة القانونية للكافة)
✒   الدكتور إبراهيم قسم السيد ✒
📖📖📖📖📖📖📖📖📖📖
                                                               E-mail: ebrahim.tahha@gmail.com
  ⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖⚖
الحلقة رقم (7) 
 12 ابريل 2020 ⚖📚✒⚖
⬇⬇⬇⬇⬇⬇⬇
قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة1974
قال الشاب: حضر بعض الأصدقاء خلال اليومين الماضيين وسألوا عنك.
قال العجوز: كما تعلم أنا لا أحضر للمقهى سوى يومي الجمعة والسبت.
قال الشاب : نعم، وقد أخبرتهم بذلك .
قال العجوز: لك الشكر ولهم، أنا حقيقة استمتع بصحبتهم كثيرا.
قال الشاب: وهم قالو ذلك أيضا، والآن هيا لتفي بوعدك حول إكمال الحديث عن قانون تفسير القوانين والنصوص العامة لسنة 1974
قال العجوز: حاضر، علمًا بأنه لم يتبقى الكثير للحديث عنه.
قال الشاب : هيا نكمل .
قال العجوز: تبقى أن نشير إلى أن المادة 18 والتي نصت على سلطة تعيين أعضاء المجالس واللجان والهيئات تعيينا مؤقتا، حيث نصت على أنه إذا فوض القانون إحدى السلطات فى تعيين شخص في عضوية لجنة أو مجلس أو هيئة وتعذر على ذلك الشخص ممارسة عمله فيجوز لتلك السلطة تعيين شخص للقيام بالعمل مؤقتا نيابة عنه لمدة عجزه عن العمل.
قال الشاب: هذا نص واضح ويمكن استخدامه لسد الفراغ فى المناصب.
قال العجوز: أما المادة 19  فقد نصت  على أنه إذا فوض القانون سلطة لتعيين لجنة أو هيئة أو مجلس جاز للسلطة التى تم تفويضها  بذلك أن تعين رئيسا سكرتيرا لذلك المجلس أو الهيئة أو اللجنة مالم يظهر قصد مغاير.
قال الشاب: نص واضح، كذلك وأظن أن القصد المغاير المذكور يقصد به أن يكون القانون الذي فوض السلطة ينص على هذا القصد المغاير.
قال العجوز:نعم، أما المادة  20 فقد نصت على النصاب القانوني للمجالس واللجان وإصدار قراراتها .
صمت الشاب فواصل العجوز قائلا : وفقا لهذه المادة فإن الاجتماع يكون صحيحا بحضور أكثر من نصف الأعضاء، أما القرارات فتصدر بأغلبية أصوات الحاضرين.
قال الشاب: مفهوم.
قال العجوز: الفقرة ج من المادة 20 نصت على أنه إذا وجد عيب فى تعيين أحد الأعضاء أو في صفته فذلك لا يؤثر على أي قرار تم اتخاذه قبل اكتشاف ذلك العيب.
قال الشاب: ماذا يعني هذا ؟
قال العجوز: يعني أنه قد يشوب تعيين أحد أعضاء هذه اللجان والمجلس والهيئات خطأ، كأن يتم تعيين رئيس إدارة معينة عضوا فى حين أنه كان من الأنسب أن يتم تعيين آخر، ففي هذه الحالة من المتوقع أن يكون هذا العضو قد مارس عمله بموجب القرار المعيب وقد يكون شارك فى اتخاذ قرارات، فهنا لا يؤثر اكتشاف الخطأ على صحة القرارات التي يكون قد شارك فيها.
 قال الشاب: واضح.  وأظن أن هذا يساعد في عدم تعطيل عجلة العمل  بإعادة النظر في كل ما سبق أن تم اتخاذه من قرارات قبل اكتشاف العيب.
قال العجوز: هناك أمر آخر  نصت  عليه  الفقرة  ج من  المادة  20 وهو  أنه إذا وقعت مخالفة طفيفة أو ذات صفة  فنية  فى الدعوة  إلى اجتماع  أو في إجراءات الجلسة فلا يؤثرعلى صحة ما تم اتخاذه من قرارات في الجلسة.
قال الشاب: ولكن ماهو المعيار حتى نقول إن هذا الإجراء فني او أنه خطأ طفيف؟
قال العجوز: القانون لم يفصل ذلك، لكنه ربط ذلك بشيئين هما الدعوة للاجتماع أو إجراءات الجلسة وأظن ليس من الصعب أن يتم معرفة ما إذا كان الإجراء فنيا أو موضوعيا وما إذا كان الخطأ طفيفا أو جسيما حيث أن ذلك يتعلق بطبيعة عمل كل جهة من الجهات المقصودة.
قال الشاب: ربما... وربما يقول قائل أنه كان من الأفضل أن يتم حصر المسائل الجوهرية في القانون وبالتالي يعتبر ما عداها أخطاء طفيفة.
قال العجوز: لا بأس بقولك، علما بأنه من المبادئ المعروفة أنه  لا صحيح أو خطأ فى القانون حيث أن المعيار هو الرأي الراجح والرأي المرجوح .
صمت العجوز فقال الشاب: هل هذا كل شيء؟
قال العجوز: يمكنك القول أن هذا هو أهم ما ورد فى هذا القانون.
مال الشاب إلى الأمام مستندا بمرفقيه الى المنضدة، وقال: وعن ماذا ستحدثني فى الأيام القادمة بإذن الله؟
رجع العجوز فى كرسيه للوراء وقال مشيرا إلى حقيبة بجوار الشاب: ماذا في هذه الحقيبة؟
نظر الشاب الى الحقيبة وقال: هذه حقيبة  حاسبي المحمول .
أشار العجوز إلى يد الشاب وقال: وماهذا؟
رفع الشاب يده وقال: هذا؟ هذا تلفونى الجوال.
أشار العجوز إلى إذن الشاب وقال: وهذه؟
وضع الشاب يده على أذنه وقال باسما: هذه سماعة بلوتوث.
قال العجوز: إذا من الواضح أنك محاط بمظاهر التكنولوجيا.
قال الشاب وقد واتسعت ابتسامته: إنها سمة العصر.
نهض العجوز وهو يقول: إذا سيكون حديثي القادم معك عن أشياء لها علاقة بسمة العصر هذه.
&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&&