المختصر
في القانون الجنائي
إعداد: د. إبراهيم قسم السيد محمد
طه
المستشار القانوني
أستاذ القانون المساعد(غير متفرغ) بالجامعات السودانية
الفصل الأول: تعريف القانون الجنائي
المبحث الأول
مفهوم القانون الجنائي
القانون الجنائي هو مجموعة القواعد القانونية التي
تُحدِّد الأفعال المجرّمة وتُبيِّن العقوبات المقررة لها، كما تنظم الإجراءات التي
تتبع بحق المتهم، بدءًا من ضبطه، مرورًا بمحاكمته، وانتهاءً بتنفيذ العقوبة بحقه.
وينقسم القانون الجنائي إلى قسمين رئيسيين:
- قواعد موضوعية: تتمثل في قانون العقوبات،
وتُعنى بتحديد الجرائم والعقوبات.
- قواعد شكلية إجرائية: تتمثل في قانون الإجراءات
الجنائية، وتُعنى بكيفية ملاحقة المتهم جنائيًا.
أما قواعد القانون العقابي الموضوعية، فهي بدورها
تنقسم إلى:
1. قانون العقوبات
العام: ويتضمن الأحكام العامة التي تسري على
جميع الجرائم والعقوبات.
2. قانون العقوبات
الخاص: ويتناول أنواع الجرائم والعقوبات
المقررة لها على نحو تفصيلي.
ثانياً: تعريف قانون العقوبات العام
يطلق عليه أيضًا: القانون الجنائي العام أو الأحكام
العامة للنظام الجزائي، ويُقصد به:
"مجموعة القواعد القانونية التي تحدد
الأفعال المجرّمة والعقوبات المقررة لها".
المبحث الثاني
تعريف الجريمة في الفقه الإسلامي
يعرف الماوردي الجريمة بأنها:
"محظورات شرعية زجر الله تعالى عنها
بحد أو تعزير".
ويُقصد بـ"المحظورات الشرعية" الأمور التي
حرمها الشارع الحكيم على المكلَّفين، ويُعد الفعل محظورًا إذا توفرت فيه الشروط
الآتية:
1. وجود أمر أو
نهي شرعي موجَّه للمكلف.
2. أن يأتي المكلف
بفعل (إيجابي أو سلبي) يخالف هذا الأمر أو النهي.
3. عدم وجود
استثناء يُبيح هذا الفعل.
ويُفهم من "الزجر" العقوبة التي تترتب على
مخالفة أوامر الشارع ونواهيه.
رابعاً: تقسيم الجرائم في الفقه
الجنائي الإسلامي
1. الحدود: وهي الجرائم التي قرر الشارع لها عقوبات مقدرة لا تقبل التغيير أو العفو،
وعددها سبعة:
o
السرقة، الحرابة (قطع الطريق)، الزنا،
القذف، شرب الخمر، البغي، الردة.
2. القصاص: ويُقر في جرائم الاعتداء على النفس أو ما دونها، ويجوز استبداله بالدية
بعفو ولي الدم.
3. التعزير: عقوبة غير مقدرة يفرضها ولي الأمر في كل معصية لا حد فيها ولا قصاص ولا
كفارة.
المبحث الثالث
صور السلوك الإجرامي
ينقسم السلوك الإجرامي إلى صورتين:
1. السلوك الإيجابي (الفعل)
وهو ارتكاب فعل ينهى عنه القانون ويتحقق بتوافر عنصرين:
- حركة مادية: أي كل حركة عضوية إرادية تصدر عن
الجاني بهدف ارتكاب الجريمة، سواء باستخدام أداة أو بدونها.
- إرادة: أي أن
تكون الحركة صادرة عن إرادة حرة. أما إذا كانت الحركة آلية (كحالة الإغماء)،
فلا تُنسب للجاني ولا يترتب عليها مسؤولية جنائية.
2. السلوك السلبي (الامتناع)
ويتحقق بتوافر:
- إحجام إرادي عن فعل يفرضه
القانون.
- عدم تنفيذ واجب قانوني جنائي: فإذا لم يكن هناك التزام قانوني،
فلا يشكل الامتناع جريمة.
صور السلوك السلبي:
- الامتناع: كما في الامتناع عن التبليغ،
أداء الشهادة، قيد المواليد.
- الترك: كما في
الامتناع عن إرضاع طفل حتى يموت، أو ترك شخص دون إطعامه.
خلاصة: السلوك الإجرامي هو مادة الجريمة، ولا
تُتصور جريمة بدونه.
النتيجة الإجرامية
النتيجة الإجرامية هي التغيير الذي يُحدثه السلوك
الإجرامي في العالم الخارجي، سواء:
- ماديًا: مثل إزهاق
روح الإنسان في جريمة القتل.
- معنويًا: مثل إفشاء سر.
وهي مستقلة عن السلوك، كما يظهر في جرائم الشروع:
- الشروع الموقوف: يتوقف الجاني عن استكمال الجريمة
لسبب خارج عن إرادته.
- الشروع الخائب: يتم السلوك كاملاً، ولكن النتيجة
لا تتحقق.
وتُقسم الجرائم من حيث تحقق النتيجة إلى:
- جرائم ذات نتيجة: مثل القتل.
- جرائم شكلية: مثل حيازة سلاح دون ترخيص.
الفصل الثاني
الرابطة السببية
هي العلاقة بين سلوك الجاني والنتيجة الإجرامية.
المبحث الأول
حالات الرابطة البسيطة والمعقدة:
- البسيطة: عندما يكون سلوك الجاني وحده هو
السبب في النتيجة.
- المعقدة: عند تعدد العوامل المؤثرة.
أنواع العوامل المساعدة:
- سابقة للسلوك: مثل إصابة مسبقة تُفاقم النتيجة.
- معاصرة له: مثل تعدد الجناة.
- لاحقة له: مثل الإهمال الطبي أو تأخر
الإسعاف.
نظريات السببية
1. نظرية تعادل الأسباب
تعتبر كل العوامل المؤدية للنتيجة متعادلة في التأثير،
ويكفي أن يكون سلوك الجاني أحدها.
- الانتقادات:
- تؤدي إلى تحميل الجاني ما لا
يطيق.
- تناقض ذاتها.
2. نظرية السبب الأقوى أو الفعال
تُسند النتيجة للسبب الفعّال دون غيره.
- الانتقادات:
- المعيار غير محدد.
- تُضيّق نطاق المسؤولية.
3. نظرية السببية الملائمة
لا يُعتبر السلوك سببًا إلا إذا كان من شأنه عادةً أن
يُحدث النتيجة. وتُستبعد العوامل الشاذة.
مثال: إهمال المجني عليه البسيط في العلاج
لا يقطع السببية، أما تعمد الإضرار بنفسه يقطعها.
المبحث الثاني
موقف الفقه الجنائي الإسلامي
1. يُسند الفعل
إلى فاعله إن كان السبب المباشر.
2. إذا تعدد
الفاعلون وكان سلوك كل منهم كافيًا، سُئل كل منهم مسؤولية كاملة.
3. لا يُشترط أن
يكون السلوك مميتًا بذاته، بل يكفي أن يسهم في النتيجة.
4. تؤخذ حالة
المجني عليه الصحية بعين الاعتبار.
5. إذا تدخل سبب
طارئ أقوى، انقطعت علاقة السببية.
6. يتحقق الشروع
إن لم تحدث النتيجة لسبب أجنبي عن إرادة الجاني.
تطبيق عملي
الحالة: أطلق كل من عميل أجنبي وإرهابي محلي
النار على مسؤول أثناء مروره، وتوفي المجني عليه نتيجة ذلك.
السؤال (أ): من يتحمل المسؤولية الجنائية وفقًا
للفقه الإسلامي؟
الإجابة: كلا الجانيين مسؤولان؛ لأن سلوك كل
منهما ساهم في النتيجة وكان كل منهما كافيًا في ذاته لتحقيق الوفاة.
السؤال (ب): هل يتغير الحكم إذا ثبت أن رصاصة
العميل هي القاتلة، وأن الأخرى ساهمت فقط في تعجيل الوفاة؟
الإجابة: لا يتغير الحكم، لأن سلوك الجاني الآخر ساهم في الوفاة بطريقة فعالة، ويُسأل كلاهما ما دام أن كل فعل أدى إلى تقصير عمر المجني عليه أو تسريع موته
الفصل الثاني:
فكرة المسؤولية الجنائية
تُعد المسؤولية الجنائية من المفاهيم المركزية في
القانون الجنائي، ويُقصد بها – في رأي جانب من الفقه – الأثر القانوني الذي يترتب
على ارتكاب فعل يُعد جريمة في نظر القانون، بحيث يُحمِّل القانون الفاعل تبعة
جزائية نتيجة خرقه للأحكام المقررة. وفي هذا السياق، يُعرّف "إستفاني"
المسؤولية بأنها: تحمّل نتائج أفعالنا، وتُحدد هذه
المسؤولية بدقة في إطار القواعد الجنائية، عبر الالتزام بتحمل تبعات النشاط
الإجرامي، وتنفيذ العقوبة عند صدور حكم بالإدانة.
أما
"يافيج"، فيفرّق بين المسؤولية والعقوبة، معتبراً أن المسؤولية تعني
التزامًا خاصًا يقع على عاتق الجاني بتحمّل النتائج التي تمس حقوقه الشخصية أو
المالية، في حين أن العقوبة تمثل أداة تنفيذ لتلك المسؤولية بهدف إخضاعه لأحكام
القانون.
ومن خلال هذه الآراء، يتضح أن المسؤولية الجنائية لا
تنفصل عن فكرة الجزاء، إذ يُعد الأخير ترجمة عملية للمسؤولية، ومن دونه تفقد
المسؤولية معناها القانوني والنظري.
وتُطرح هنا مجموعة من التساؤلات الجوهرية:
- متى يُعد الشخص مسؤولاً جنائيًا؟
- كيف تُحدد هذه المسؤولية؟
- ما العقوبة التي تُفرض على من
يخالف القانون؟
- ما هي موانع قيام المسؤولية
الجنائية؟
- إلى أي مدى تُعتبر العقوبة وسيلة
فعالة للردع العام والخاص؟
للإجابة عن هذه الأسئلة، سنتناول الموضوع من خلال
المباحث التالية:
المبحث الأول:
نطاق المسؤولية
الجنائية وأساسها
أولاً: التمييز بين المسؤولية
الجنائية والمسؤولية المدنية
ترتبط المسؤولية الجنائية بالفعل أو الامتناع الذي
يجرّمه القانون الجنائي ويعاقب عليه بنص صريح، إذ أن الفعل يُعد مضرًا بالمجتمع
برمته. بينما تقوم المسؤولية المدنية نتيجة إخلال الشخص بالتزام تعاقدي أو قانوني،
سواء ورد في نص أم لا، بشرط أن يُحدث ضررًا للغير.
وتترتب على هذا التمييز نتائج عدة، منها:
1. نوع الجزاء: في المسؤولية الجنائية، يُتمثل الجزاء في عقوبة جنائية (كالسجن أو
الغرامة)، تهدف إلى الزجر العام والردع، بينما يُقتصر في المسؤولية المدنية على
التعويض المالي، دون المساس بحرية الشخص أو حياته.
2. صاحب الحق في
المطالبة: في المسؤولية الجنائية، النيابة
العامة وحدها تملك تحريك الدعوى الجنائية، أما في المسؤولية المدنية، فالمضرور فقط
هو من يملك المطالبة بالتعويض.
3. الشرعية
الجنائية: لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص، وهو مبدأ
أساسي في القانون الجنائي، ولا نجد له مثيلاً في المجال المدني الذي يمكن فيه
مساءلة الشخص عن أي فعل ضار غير مشروع، حتى في غياب نص محدد.
4. إمكانية اجتماع
المسؤوليتين: يمكن أن تجتمع المسؤوليتان الجنائية
والمدنية كما في الجرائم ذات النتيجة، مثل الإيذاء العمد أو النصب، وقد تنفرد
المسؤولية الجنائية وحدها كما في الجرائم الشكلية أو محاولات الجرائم.
5. أثر الحكم
الجنائي على الدعوى المدنية: إذا صدر حكم بالإدانة، وجب على القاضي
المدني التقيد بالوقائع الثابتة في الحكم الجنائي، أما إذا صدر حكم بالبراءة لعدم
ثبوت التهمة، فلا يجوز للقاضي المدني إعادة إثباتها.
ثانياً: التمييز بين المسؤولية
الجنائية والمسؤولية التأديبية
تُعتبر الجريمة الجنائية مساسًا مباشرًا بأمن المجتمع
وسلامته، بينما تمثل الجريمة التأديبية إخلالًا بالواجبات المهنية أو الوظيفية،
وأثرها على المصلحة العامة أقل.
ويُبنى هذا التمييز على عدة أسس:
1. الجهة المختصة: تختص المحاكم بالنظر في الجرائم الجنائية، أما المسؤولية التأديبية فتُنظر
أمام هيئات غير قضائية كالمجالس التأديبية والنقابات المهنية ومجالس الكليات.
2. الاستقلال
النسبي: المسؤولية التأديبية مستقلة عن
الجنائية من حيث التكييف، إلا أن هذا لا يعني انعدام التأثير، إذ يمكن مساءلة
الموظف تأديبيًا حتى بعد صدور حكم بالبراءة جنائيًا، إذا ثبت الخطأ المهني من وجهة
نظر إدارية.
وقد كرس القضاء هذا المبدأ، حيث جاء في حكم لمحكمة النقض
الفرنسية في قضية مغربية ما يلي:رغم أن المتهم (س) قد بُرئ من تهمة
الاحتيال من قبل المحكمة الزجرية، فإن المجلس التأديبي اعتبر أفعاله إخلالاً
بواجبات الوظيفة، وأصدر قرار العزل. فالمجلس التأديبي لم يُقيِّم الفعل من
وجهة قانون العقوبات، بل من زاوية قواعد الوظيفة العامة، وهو ما يجيز مساءلته
تأديبيًا رغم براءته جنائيًا.
وبذلك يتضح أن الاستقلال بين الدعويين الجنائية
والتأديبية هو استقلال في المسطرة والنتائج، لا في الحجية المطلقة، على خلاف ما هو
عليه الأمر بين الجنائية والمدنية، حيث يؤدي انتفاء الخطأ الزجري إلى سقوط
المسؤولية المدنية تبعًا.
المبحث
الثاني
أساس المسؤولية الجنائية
اختلف الفقهاء في تحديد الأساس الذي تقوم عليه
المسؤولية الجنائية، وذلك بحسب المدارس العقابية المختلفة. فوفقًا للمدرسة
التقليدية، تقوم المسؤولية الجنائية على توافر إرادة معتبرة قانونًا، ولا تُعدّ
الإرادة كذلك إلا إذا صدرت عن شخص يتمتع بالإدراك والتمييز، وكان غير مُكره على
ارتكاب الفعل أو الامتناع عنه. ومن ثم، فإن الخطأ هو أساس المسؤولية الجنائية في
هذا الاتجاه، وتُعدّ المسؤولية في هذه الحالة ذات طابع أخلاقي وأدبي؛ إذ يُفترض أن
الإنسان، ما دام قادرًا على التمييز والاختيار بين الخير والشر، فإنه إذا اختار الشر،
وكان حرًا مدركًا لما يفعل، فإنه يكون قد أخطأ، وتقوم بالتالي مسؤوليته الأخلاقية،
وما يتبعها من مسؤولية جنائية. أما إذا كان الفاعل أثناء ارتكابه للفعل أو الترك
فاقدًا للإدراك كالمجنون، أو غير مميز كالصغير، أو واقعًا تحت الإكراه، فلا تُسند
إليه المسؤولية الجنائية، لانعدام الخطأ في فعله، وبالتالي غياب الأساس الأخلاقي
للمساءلة.
وعلى النقيض من ذلك، فإن الاتجاهات التي أنكرت
الدور المحوري للإرادة في قيام الجريمة، واعتبرت الجريمة نتيجة حتمية لعوامل ذاتية
أو بيئية، ترى أن الجاني يُقاد إلى ارتكاب الجريمة بفعل ظروف خارجة عن إرادته،
كالعوامل النفسية أو الضغوط الاجتماعية والاقتصادية التي تُفرض عليه فرضًا. ووفقًا
لهذا التصور، فإن مساءلة الجاني لا تُبنى على الخطأ الشخصي، إذ يُفترض أنه لم يكن
حر الإرادة عند ارتكابه للجريمة، وإنما تقوم المسؤولية هنا على أساس اجتماعي،
قوامه حماية المجتمع من الأخطار والاعتداءات، بغض النظر عن مدى توافر الإرادة أو
الإدراك لدى الفاعل.
وهكذا، يتبين التباين بين المدارس الفقهية في
تأسيس المسؤولية الجنائية، حيث تقوم بعض الاتجاهات على اعتبارها مسؤولية أخلاقية
قائمة على الخطأ، بينما تذهب أخرى إلى اعتبارها مسؤولية اجتماعية لا يشترط فيها
توافر الخطأ.
أما بالنسبة للتشريعات الجنائية المقارنة التي
أمكن الاطلاع عليها، فإنها تميل بوجه عام إلى تأسيس المسؤولية الجنائية على أساس
أخلاقي، فتشترط للمساءلة أن يكون الفاعل مميزًا ومدركًا لما يقوم به، وأن يكون
كذلك حر الإرادة، غير مكره على الفعل أو الترك. فإذا انعدم الإدراك أو التمييز أو
الإرادة، امتنعت مساءلته الجنائية تمامًا. أما في حال وجود نقص في الإدراك أو
التمييز أو الإرادة، فإن المسؤولية لا تنتفي كليًا، وإنما تُخفف بقدر النقص الحاصل.
المبحث
الثالث
الخصائص
الحديثة للمسؤولية الجنائية
شهدت فكرة المسؤولية الجنائية تطوراً تاريخيًا
طويلاً، أدى إلى ترسيخ عدد من الخصائص الجوهرية التي يقوم عليها بنيان القانون
الجنائي التقليدي. وعلى الرغم من الانتقادات الشديدة التي وُجهت إلى هذه الخصائص
من قِبل الاتجاهات الوضعية في الفقه الجنائي، إلا أنها ما زالت تحتفظ بمكانتها في
أغلب التشريعات المعاصرة. ومن أبرز هذه الخصائص:
1- المسؤولية الجنائية مسؤولية إنسانية:
في العصور القديمة – كما تبين من العرض التاريخي
في هذه الدراسة – لم يكن الإنسان وحده محلًا للمساءلة الجنائية، بل شملت تلك
المساءلة الحيوان والجماد أيضًا. غير أن الفقه القانوني الحديث قد حسم هذا الجدل،
وقرر بشكل قاطع أن الإنسان وحده هو الذي يمكن أن يُسأل جنائيًا، لما يتوافر لديه
من إرادة وعقل يميز بهما بين الأفعال المشروعة والمجرّمة.
2-المسؤولية الجنائية شخصية:
في القوانين القديمة، وخاصة ما قبل ظهور مبدأ
شخصية العقوبة، انتشرت صور عديدة من المسؤولية الجماعية، باستثناءات نادرة
كالقانون المصري القديم الذي عرف هذا المبدأ في بعض مواده. أما في الفكر القانوني
الحديث، فقد أصبح من المسلمات أن المسؤولية الجنائية لا تقع إلا على من توافرت في
سلوكه وإرادته عناصر الجريمة، سواء كان فاعلًا مباشرًا أو شريكًا، فهي مسؤولية
تقوم على الفعل الشخصي.
وقد حاولت بعض النظريات استثناء هذا الأصل، إلا أن
أغلبها حاول تبرير تلك الاستثناءات بوجود خطأ شخصي. ومع تأكيد المدرسة التقليدية
على أهمية الإرادة الحرة كأساس للمسؤولية، فقد ظل مبدأ الشخصية يحتل مكانة محورية
في الفقه الجنائي. غير أن المدرسة الوضعية جاءت لتنكر وجود الإرادة الحرة، ورفضت
بالتالي فكرة المسؤولية الفردية، باعتبار أن الجريمة – في منظورها – ما هي إلا
نتيجة لأسباب بيولوجية ونفسية واجتماعية متداخلة. ومن هذا المنطلق، رأت المدرسة
الإيطالية – المعروفة بمدرسة "الدفاع الاجتماعي" أو "مدرسة
غراماتيكا" – أن المسؤولية الجنائية لا محل لها، واستبدلت بها مفهوم الانحراف
الاجتماعي.
لاحقًا، ظهرت نظرية "مارك أنسل" التي
شددت على التدخل الإيجابي من خلال الوقاية، دون اعتبار للمسؤولية بمفهومها
التقليدي، حيث لم تعد تبحث في مدى توفرها في الفاعل، وإنما انصبت على ما يمكن فعله
قبل ارتكاب الجريمة.
وفي هذا السياق، استخدم الدكتور مأمون سلامة مصطلح
"الأهلية الجنائية"، مشيرًا إلى أنها تمثل مجموعة العوامل النفسية التي
ينبغي توافرها في الشخص لكي يُنسب إليه الفعل الإجرامي بصفته فاعلًا له. وبعبارة
أخرى، فالأهلية الجنائية تعني قابلية الإسناد.
إلا أن هذا الرأي، رغم قيمته، يفتقر إلى التحليل
الدقيق؛ إذ نجده في مواضع أخرى يخلط بين الأهلية الجنائية باعتبارها "أهلية
الوجوب" وبين الاختيار الفعلي، حيث يرى أن قدرة الشخص على الاختيار تختلف عن
ممارسة هذا الاختيار فعليًا. ويذهب البعض إلى التفرقة بين الأهلية والمسؤولية،
معتبرين الأولى شرطًا نظريًا والثانية حالة واقعية، إلا أن هذه التفرقة تبقى سطحية
من الناحية التحليلية.
والواقع أن الأهلية والمسؤولية تشتركان في الجوهر ذاته، إذ إننا إزاء صورتين للمسؤولية: مسؤولية بالقوة وأخرى بالفعل. فالأولى تُعد صفة مجردة في الشخص تمكّنه من تحمل تبعة فعله، أما الثانية فهي تجسيد واقعي لهذا التحمل، والمسؤولية – في الحالتين – تعبّر عن صلاحية الشخص لأن يُنسب إليه الفعل، ويُسأل عنه جنائيًا
الفصل الثالث
اقسام الجرائم
المبحث الاول
تقسيم الجرائم استناداً الى ركنها المادي:
أولاً: الجرائم الوقتية والجرائم
المستمرة:
معيار التقسيم:
هو (الزمن) الذي يستغرقه تمام الجريمة، أو الزمن الذي
يفصل بين السلوك وتحقق النتيجة.
الجريمة الوقتية
هي التي لا يمتد سلوك الجاني فيها فترة من الزمن . أي أنها
الجريمة التي يبدأ فيها سلوك الجاني وينتهي في برهة يسيرة أو لحظة واحدة،
مثال ذلك جريمة القتل التي تتم وتنتهي لحظة إزهاق الروح.
ويلاحظ أن الجريمة تظل وقتية ولو ترتب عليها آثار تمتد خلال زمن طويل، فالسرقة
جريمة وقتية رغم أن حيازة الشيء المسروق تمتد زمنا طويلاً.
أما الجريمة المستمرة
فتتكون من فعل يقبل الاستمرار فترة من الزمن ويتطلب تدخلاً
متجدداً من إرادة الجاني للإبقاء على حالة الاستمرار بعد قيامها. إخفاء الأشياء
المسروقة، حيازة المواد المخدرة، حيازة الأسلحة بدون ترخيص، الامتناع عن تسليم طفل
إلى من له الحق في حضانته شرعاً.
يجدر بالذكر أن القانون الجنائي السوداني لسنة 1991لم يقم
بتقسيم الجرائم وقفا للتقسيم المذكور، حيث لا يوجد مفهوم للجريمة المستمرة او
خلافه ، ويظهر اثر ذلك فى التقادم المسقط للدعوى الجنائية وفقا للمادة 38 منه حيث
تسقط كل الجرائم بمضي الوقت المحدد لها وفقا لهذه المادة وقد اثار ذلك جدلا كبيرا
حول بعض الجرائم ذات الاثر المستمر مثل جريمة تزوير المستندات حيث تسقط بالتقادم
رغما عن استمرار اثرها في حالة الاستخدام المستمر لمستند مزور .
المبحث الثاني
أهمية التمييز بين الجريمة الوقتية والجريمة المستمرة :
1- من حيث
بداية احتساب تقادم الدعوى الجنائية:
●
في الجريمة الوقتية يبدأ سريان مدة تقادم الدعوى الجنائية من اليوم التالي
لارتكابها،
● و في الجريمة المستمرة يبدأ من اليوم التالي لانتهاء حالة الاستمرار التي تستغرقها
الجريمة.
2- من حيث
تطبيق القانون من حيث الزمان:
●
لا يسري القانون الجديد على الجرائم الوقتية السابقة
على نفاذه إلا إذا كان أصلح للمتهم،
●
أما الجريمة المستمرة فينطبق عليها القانون الجديد
دائماً متى أدركها ولو في جزء منها قبل انتهاء حالة الاستمرار ولو كان هذا القانون
الجديد أسوأ للمتهم.
3- من حيث
تطبيق القانون من حيث المكان:
●
تفترض الجريمة المستمرة تكرار ارتكابها في كل لحظة من
الزمن الذي تستغرقه وهذا يعني أنها تعتبر واقعة في كل مكان قامت فيه حالة
الاستمرار، فإذا امتدت الجريمة المستمرة في أكثر من إقليم فقانون عقوبات كل منها
يسري عليها
● أما الجريمة الوقتية فينطبق
عليها قانون الإقليم الذي ارتكبت فيه وحده. وبالتالي تختص بنظر الدعوى عن الجريمة
الوقتية المحكمة التي وقعت في دائرة اختصاصها الجريمة، بينما تختص بنظر الدعوى عن
الجريمة المستمرة جميع المحاكم التي وقعت في دائرتها حالة الاستمرار.
4- من حيث
قوة الشيء المحكوم فيه:
●
يترتب على حجية الحكم البات انقضاء الدعوى الجنائية. فالحكم
الصادر في الجريمة الوقتية يحوز قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة للواقعة
التي رفعت بها الدعوى، ما علم منها وما لم يعلم، أي ما طرح على القاضي أو لم يطرح،
فلا يجوز إعادة طرحها من جديد أمام القضاء.
● أما الحكم الصادر في الجريمة
المستمرة فانه يحوز قوة الشيء المحكوم فيه بالنسبة لجميع الوقائع السابقة على
رفع الدعوى، فإذا تجددت حالة الاستمرار بعد صدور هذا الحكم بتدخل الجاني في
الإبقاء على الوضع المخالف للقانون فان ذلك يعد جريمة مستقلة تنشأ بها دعوى جنائية
جديدة.
ثانياً: الجريمة المتتابعة
الأفعال:
هي مجموعة من الجرائم تقع بارتكاب عدة أفعال متجانسة
للاعتداء على حق معين تنفيذاً لغرض إجرامي واحد وعلى ذات المجني عليه، فهي تقوم
بتوافر الشروط التالية:
1- تجانس الأفعال الإجرامية
وتتابعها: تفترض هذه الجريمة أفعالاً وقتية متجانسة ومتتابعة كل منها يعد
جريمة إذا نظر إليه على حده كسرقة محتويات مخزن على دفعات، وجريمة ضرب بأكثر من
فعل، كاللكم، والركل، والنطح، والصفع…الخ.
2- (وحدة الغرض الإجرامي): يجب أن تكون
كل الأفعال قد ارتكبت بتصميم واحد تنفيذاً لخطة إجرامية واحدة تعددت عناصرها
ووسائل تنفيذها.
3- وحدة المصلحة المعتدى عليها .
4- وحدة المجني عليه: يجب أن يكون
المجني عليه واحداً في الجريمة التي ترتكب بأفعال متتابعة.
أهمية تقسيم الجريمة المتتابعة
الأفعال :
1- من حيث
بداية احتساب تقادم الدعوى الجنائية:
●
تحتسب المدة المحددة لسقوط الدعوى الجنائية الناشئة عن
الجريمة المتتابعة الأفعال من اليوم التالي لأخر فعل من أفعال التتابع الداخلة في
تكوين الجريمة.
2-
من حيث تطبيق القانون من حيث الزمان:
●
يسري القانون الأشد على الجريمة المتتابعة الأفعال إذ عمل به
قبل ارتكاب أخر هذه الأفعال ولو كانت بعض هذه الأفعال قد ارتكب في ظل القانون
القديم الأصلح للمتهم. فدائماً يسري القانون الجديد ولو كان أسوأ.
3- من حيث
تطبيق القانون من حيث المكان:
●
لما كانت الجريمة ذات الأفعال المتتابعة ينحل فيها السلوك
الإجرامي إلى وحدات متجانسة من النشاط تتعاقب فيما بينها فإنها تعتبر واقعة في كل
مكان ارتكب فيه فعل من الأفعال المتتابعة المكونة لها، وعلى ذلك ينطبق عليها النص
الجنائي الوطني إذا ارتكبت بعض هذه الأفعال على إقليم الدولة وارتكب البعض الآخر
في الخارج. وفي داخل الدولة الواحدة تختص المحكمة التي وقع في دائرتها أي من
الأفعال المتتابعة.
4- من حيث
قوة الشيء المحكوم فيه:
● تنصرف حجية الشيء المحكوم فيه إلى جميع الأفعال التي سبقت صدور الحكم البات حتى وان كانت سلطة الاتهام تجهل بعضها لأنها كلها كانت محلا لجريمة واحدة. فإذا صدرت عن الجاني الذي سبقت إدانته في جريمة وقتية متتابعة أفعال أخرى لاحقة لهذا الحكم فإنها تكون أفعال جديدة وليدة إرادة إجرامية جديدة فلا يشملها الحكم السابق وان كانت من نفس النوع السابق ووقعت على نفس المجني عليه، وبالتالي فهي جرائم جديدة تستوجب عقاباً جديداً
الفصل الرابع
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات
المبحث الأول: مفهوم ومصدر مبدأ الشرعية
مفهوم مبدأ الشرعية:
مبدأ شرعية الجرائم والعقوبات يعني أن:
"لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص قانوني".
وهذا المبدأ يعني أن لا يمكن اعتبار فعل جريمة ولا توقيع
عقوبة على أحد إلا إذا كان هناك نص قانوني يجرم ذلك الفعل وينص على العقوبة.
الأصل الشرعي:سبق الشرع الإسلامي القوانين الوضعية
في تبني هذا المبدأ، والدليل قوله تعالى:
"وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا"
(الإسراء: 15)
ويشترط لقيام العقاب على فعل ما توافر الشرطان التاليان:
1. وجود حكم
تكليفي بالقيام بعمل (أو الامتناع عنه) كقوله تعالى:
إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها"
"ولا تقتلوا
النفس التي حرم الله إلا بالحق"
2. عدم وجود حكم
شرعي يبرر ارتكاب الفعل، مثل أسباب الإباحة كالـدفاع الشرعي.
نصوص القانون الجنائي السوداني لسنة
1991 المتعلقة بمبدأ الشرعية:
المسؤولية الجنائية - أساس المسؤولية الجنائية:
- المادة 8:
1. لا مسؤولية إلا
على الشخص المكلف المختار.
2. لا مسؤولية إلا
عن فعل غير مشروع يرتكب بقصد أو بإهمال.
3. المادة 9:لا يعد مرتكباً جريمة الصغير غير البالغ، ولكن يجوز تطبيق تدابير الرعاية
والإصلاح على من بلغ سن السابعة حسبما تراه المحكمة مناسباً.
- المادة 10:لا يعد مرتكباً جريمة الشخص الذي
كان فاقداً للتمييز وقت ارتكاب الفعل بسبب:
- الجنون (دائم أو مؤقت)،
- العاهة العقلية،
- النوم أو الإغماء،
- تناول مادة مسكرة أو مخدرة بسبب
الإكراه أو دون علمه.
أما إذا كان ذلك باختياره وعلمه، فيعد مسؤولاً.
- المادة 11:لا يعد الفعل جريمة إذا صدر من
شخص ملزم بالقيام به أو مخول له بحكم القانون أو بأمر مشروع، أو كان يعتقد
بحسن نية ذلك.
- المادة 12 (حق الدفاع الشرعي):
1. لا يعد الفعل
جريمة إذا كان استعمال حق الدفاع الشرعي استخداماً مشروعاً.
2. ينشأ حق الدفاع
الشرعي إذا واجه الشخص خطر اعتداء حال أو وشيك على نفسه أو ماله أو عرضه، ولم يكن
بالإمكان اللجوء إلى السلطة العامة، ويجوز دفع الخطر بالقدر اللازم.
3. لا ينشأ حق
الدفاع الشرعي في مواجهة الموظف العام إذا كان يعمل ضمن حدود وظيفته إلا إذا خُيف
تسبيب الموت أو الأذى الجسيم.
4. لا يبيح حق
الدفاع الشرعي تعمد تسبيب الموت إلا في حالات الخطر الشديد المذكورة.
- المادة 13 (الإكراه):
1. لا يعد مرتكباً
جريمة الشخص الذي أُكره على الفعل بالإجبار أو التهديد بالقتل أو أذى جسيم إذا غلب
على ظنه وقوع التهديد.
2. لا يبيح
الإكراه ارتكاب الجرائم المعاقب عليها بالإعدام أو تعمد تسبيب الموت أو الأذى
الجسيم.
- المادة 14 (الأفعال غير
الاختيارية):لا يعد
مرتكباً جريمة من لم يكن قادراً على اختيار أفعاله بسبب قوة قاهرة أو مرض
فجائي جعله عاجزاً عن تفادي الفعل.
- المادة 15 (الضرورة):لا يعد مرتكباً جريمة من اضطر
للفعل بسبب حالة ضرورة لوقاية نفسه أو عرضه أو ماله أو غيره من خطر جسيم لم
يكن هو سبباً فيه، بشرط ألا يتجاوز الضرر الضرر المراد تفاديه، ولا تبيح
الضرورة القتل إلا في أداء الواجب.
- المادة 16 (الحادث العرضي):لا يعد جريمة ما نتج عرضاً عن
فعل مشروع وقع بحسن نية ونجم عنه ضرر غير متوقع.
- المادة 17 (الرضا):
1. لا يعد الفعل
جريمة إذا تسبب في ضرر لشخص بناء على رضا صريح أو ضمني منه.
2. لا تطبق هذه
القاعدة على الأفعال التي يحتمل أن تسبب الموت أو الأذى الجسيم.
- المادة 18 (الخطأ في الوقائع):لا يعد مرتكباً جريمة من يعتقد
بحسن نية بسبب خطأ في الوقائع أنه مأذون له في الفعل.
المبحث الثاني
السند الشرعي لتجريم الحدود والقصاص
1. السند الشرعي لتجريم الحدود
الحدود هي محظورات شرعية زجر الله عنها بعقوبة مقدرة
تجب حقًا لله تعالى، وهي جرائم تقع اعتداءً على المصلحة العامة، ولهذا لا
يجوز تخفيضها أو زيادتها أو العفو عنها. وعدد جرائم الحدود محدد على سبيل
الحصر وهي سبعة:
1. السرقة
2. قطع الطريق
(الحرابة)
3. الزنا
4. القذف
5. شرب الخمر
6. البغي
7. الردة
السند الشرعي لكل منها:
- الزنا: قال تعالى:"الزانية
والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة" (النور: 2.
- القذف: قال تعالى:"والذين
يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا
لهم شهادة أبداً وأولئك هم الفاسقون" (النور: 4).
- السرقة: قال تعالى:"والسارق
والسارقة فاقطعوا أيديهما جزاءً بما كسبا نكالاً من الله" (المائدة:
38).
- الحرابة (قطع الطريق): قال تعالى:"إنما جزاء
الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتلوا أو يصلبوا أو
تقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف أو ينفوا من الأرض..." (المائدة: 33).
- شرب الخمر:حرمت الخمر تدريجياً كما جاء في
تفسير ابن كثير:
1. نزلت الآية
الأولى:"يسألونك عن الخمر والميسر..." (البقرة: 219).
2. ثم نزلت الآية
الثانية:"لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى..." (النساء: 43).
3. وأخيراً الآية
الثالثة:"يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر
والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون" (المائدة: 90)،والتي حرمت
الخمر بشكل قاطع.
- البغي: قال تعالى:"وإن
طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى
فقاتلوا التي تبغي حتى تأتى أمر الله..." (الحجرات: 9).
- الردة: السند هو السنة النبوية، حيث ورد عن النبي صلى الله
عليه وسلم قوله:"من بدل
دينه فاقتلوه."
2. السند الشرعي للقصاص
القصاص هو عقوبة مقدرة شرعًا تجب حقًا للأفراد، ويرتبط
بجريمة القتل أو قطع الأطراف. وتحل الدية محل القصاص إذا نزل ولي القتيل عن حقه.
السند الشرعي للقصاص:في القتل العمد:قال تعالى:
"يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى..." (البقرة: 178).
فيما دون النفس (الجروح والاعتداءات):قال تعالى:
"وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن
بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص..." (المائدة: 45)،وكذلك
قوله تعالى:"فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما
اعتدى عليكم."
3. الأحكام القانونية للقصاص في القانون الجنائي السوداني
القصاص:
- هو معاقبة الجاني المتعمد بمثل
فعله.
- يثبت الحق في القصاص للمجني عليه
أولاً ثم لأوليائه.
- في القتل يكون القصاص بالإعدام
شنقًا حتى الموت، أو يجوز قتل الجاني بالمثل إذا رأت المحكمة ذلك مناسبًا.
- في الجروح، يكون القصاص وفق
أحكام الجدول الأول الملحق بالقانون.
شروط تطبيق القصاص في الجراح:
- تحقق المماثلة بين العضوين من
حيث الجنس والسلامة والمقدار.
- إمكان استيفاء المثل دون حيف،
بحيث لا يؤدي القصاص إلى هلاك الجاني أو تجاوز الأذى المُلحق.
تعدد القصاص:
- يجوز قتل الواحد بالجماعة والعكس.
- يتعدد القصاص بتعدد الأجزاء غير
المتماثلة.
- إذا قطع الجاني عدة محال متماثلة
من عدة مجني عليهم، يعاقب بالقصاص بناءً على طلب أي منهم دون المساس بحق
الآخرين.
- إذا كانت الإصابة لأكثر من ثلاثة
محال، يجوز أن يقتص منه بما قطع أو يحكم بالإعدام.
مسلطات القصاص:
- إذا كان المجني عليه أو وليه من
فروع الجاني.
- إذا عفي المجني عليه أو بعض
أوليائه (بمقابل أو بدون مقابل).
- إذا وقعت الجروح برضا المجني
عليه.
- باليأس من إفاقة الجاني إذا أصيب
بالجنون بعد الحكم عليه.
- بفوات محل القصاص في الجراح.
أولياء المجني عليه:
- ورثة المجني عليه عند الوفاة لهم
الحق في القصاص.
- في حالة صغر أو عجز المجني عليه،
ينوب عنه وليه أو وصيه.
- الدولة ولي من لا ولي له.
- للولي الحق في المطالبة بالقصاص
أو الدية أو المصالحة، مع ضوابط محددة.
- لا يجوز الرجوع في العفو إذا كان
صريحًا وراضيًا.
4. الدية في القانون الجنائي السوداني
- في القتل العمد تكون الدية واجبة
إذا تنازل أولياء المجني عليه عن القصاص.
- في القتل شبه العمد يكون الجزاء
الدية.
- في القتل الخطأ تجب الدية
والكفارة.
أحكام الدية:
- الدية تقدر بمائة من الإبل أو ما
يعادلها نقدًا وفق تقدير رئيس القضاء بالتشاور مع الجهات المختصة.
- تتحدد الديات حسب جدول معين
للجراح والغُرر.
- تتعدد الديات بتعدد المجني
عليهم، ولا تتعدد بتعدد الجناة إلا في حالات معينة.
- لا يجوز اقتضاء تعويض آخر مع
الدية عن القتل أو الجراح.
- ينقص مقدار الدية إذا كان للمجني
عليه نسبة مشاركة في سبب الجريمة.
الحكم بالدية:
- تصدر المحكمة حكمًا بالدية في
حالات متعددة منها سقوط القصاص أو شبه العمد أو الخطأ، أو عندما يكون الفاعل
غير مميز أو قاصر.
استحقاق الدية:
- تثبت الدية للمجني عليه أولاً ثم
تنتقل لورثته.
- إذا لم يكن للمجني عليه وارث،
تؤول الدية للدولة.
الواجبات في الدية:
- تجب الدية على الجاني وحده في
جرائم العمد.
- في شبه العمد أو الخطأ تجب على
الجاني والعاقلة (العصبة أو الجهة المؤمن عليها أو المتضامنة).
- يجوز تأجيل الدية أو تقديم
الكفالة بناء على طلب المستحقين.
- تستوفى وفق قانون الإجراءات
المدنية لسنة 1983.
5. رد المال أو التعويض المدني
- تأمر المحكمة برد أي مال أو
منفعة حصل عليها الجاني من الجريمة.
- يجوز للمجني عليه أو ورثته طلب
تعويض عن الضرر الناتج، وفقًا لأحكام القانون المدني والإجراءات المدنية.
المبحث الثالث
السند الشرعي للتعزير
لم تنص الشريعة الإسلامية
على كل جرائم التعزير كما فعلت في جرائم الحدود والقصاص والدية، وذلك لسبب جوهري
يتعلق بطبيعة التعزير نفسه. فجرائم الحدود والقصاص والدية محددة بنصوص شرعية ثابتة
لا تتغير بتغير الأزمنة، بينما جرائم التعزير تتطور بتطور المجتمع، فتختلف وتتغير
باختلاف الأحوال والظروف، مما استلزم أن تترك الشريعة لولي الأمر سلطة تقدير
العقوبة والتعامل مع هذه الجرائم بما يحقق مصلحة المجتمع ويحفظ النظام والأمن.
·
وينقسم التعزير في
الشريعة الإسلامية إلى ثلاثة أقسام رئيسة:
·
أولاً: التعزير على المعاصي
· يشمل
التعزير هنا العقاب على كل معصية لا يوجد لها حد شرعي معين ولا كفارة محددة.والمعصية في
هذا السياق هي مخالفة ما أوجبته الشريعة، أو فعل ما نهته عنه، لكنها لا تصل إلى
مرتبة الجريمة المحددة بالحد أو القصاص.
ومن
أمثلة ذلك: الشروع في السرقة، والشروع في الزنا، النصب، التزوير، والرشوة.فالشروع في
ارتكاب هذه الجرائم يُعد فعلًا محرمًا يستوجب العقاب بالتعزير، رغم عدم وجود حد
شرعي ثابت لها في هذه الحالة.والهدف من التعزير على المعاصي هو ردع
الفاعل وحماية المجتمع من الآثار السلبية لهذه الأفعال التي تؤدي إلى فساد الأخلاق
وانحلال النظام الاجتماعي.
·
ثانياً: التعزير للمصلحة العامة
· في
هذا النوع من التعزير، لا يكون العقاب بالمعنى التقليدي فقط، وإنما يكون تدبيرًا
أو إجراءً وقائيًا يهدف إلى حفظ النظام وسلامة المجتمع.فعلى سبيل المثال، يُعتبر وضع المجنون في
مصحة للأمراض العقلية إجراءً وقائيًا يهدف إلى حماية الناس والمجنون نفسه من
الأذى، وليس عقوبة جنائية بحتة.
وكذلك
تأديب الصغار على ترك الصلاة يُعد من التعزير الذي يهدف إلى التوجيه والتربية أكثر
منه إلى العقاب.
ويشمل
هذا القسم أيضًا التدابير التي تتخذ ضد السلوكيات التي قد تؤثر على النظام العام
أو مصلحة المجتمع، حتى وإن لم تكن جريمة محددة بنص شرعي.
·
ثالثاً: التعزير على المخالفات
· يُقصد
به العقاب على فعل المكروه أو ترك المندوب، أي ما يكره الشرع فعله أو يندب إلى
فعله، ولكن هذه الأفعال ليست محرمة بحدود شرعية محددة.ويشترط في هذا النوع من التعزير توافر
الاعتياد أو التكرار، بحيث يُعاقب على الفعل إذا تكرر مرتين أو أكثر، مما يدل على
استمرارية السلوك المخالف.
ومن
أمثلة ذلك: ترك الصلوات المفروضة باستمرار، أو العادات السيئة المتكررة كالغيبة
المستمرة أو الإضرار بالآخرين بالكلام.
ويهدف
هذا التعزير إلى تصحيح السلوك وتحفيز الفرد على الالتزام بتعاليم الشرع، والحد من
السلوكيات الضارة التي قد تؤثر سلبًا على الفرد والمجتمع
الفصل الرابع
تطبيق القانون الجنائي من حيث الزمان والمكان
المبحث الأول
نطاق تطبيق القاعدة القانونية من حيث الزمان
- القواعد القانونية عموماً ليست
دائمة أو خالدة، فهي قابلة للتغيير بتغير الزمن لتواكب التطور الحاصل في
المجتمعات. وهذا ينطبق على القاعدة الجنائية كذلك.
- الشريعة الإسلامية بما فيها من
كمال وتمام، تركت عقوبات بعض الجرائم تعزيراً لولي الأمر، وذلك لمرونة
التعامل مع الجرائم التي تتطور مع تغير الزمن.
- تنحصر علاقة القاعدة الجنائية
بالواقعة الجنائية في أحد الفروض التالية:
1. تجريم سلوك
لأول مرة: حيث يتحول السلوك من كونه مشروعاً إلى
كونه مجرماً.
2. نزع وصف
الجريمة عن سلوك كان مجرماً: بحيث يصبح السلوك مباحاً بعد أن كان
مجرماً.
3. تعديل قاعدة
جنائية سابقة: قد يكون التعديل في صالح المتهم أو
ضده.
أولاً: تجريم سلوك كان سابقاً مشروعاً
- يستند هذا إلى مبدأ شرعية
الجرائم والعقوبات: "لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص".
- إذن، المقنن يحدد مسبقاً الأفعال
التي تعتبر جرائم والعقوبات المقررة لها.
- القاعدة: لا يُطبق النص الجديد إلا على
السلوك المرتكب بعد نفاذه، وليس على الأفعال السابقة.
- لذلك، هناك وجهان لهذا المبدأ:
- التطبيق الفوري للنص الجديد على
الوقائع الجديدة.
- عدم تطبيقه بأثر رجعي على
الوقائع السابقة، من منطلق العدالة.
ثانياً: إباحة سلوك كان مجرماً سابقاً
- للمشروعية الجنائية صورتان:
أ. مشروعية أصلية: الأصل في الأفعال الإباحة ما لم يجرمها النص الجنائي- .
ب. مشروعية استثنائية: سلوك معاقب عليه لكنه يُبيح في حالات استثنائية (مثال: الدفاع الشرعي). - عندما يصبح السلوك مباحاً
جنائياً، تنزع عنه صفة الإجرام ويُصبح غير معاقب عليه، حتى بأثر رجعي، حفاظاً
على العدالة والمساواة بين المكلفين.
- ويستفيد من هذا التعديل المتهم
سواء صدرت بحقه حكم بات أو كانت محاكمته جارية.
ثالثاً: تعديل القاعدة الجنائية
الجديدة للعقوبة الواردة بالقاعدة القديمة
- قد يكون التعديل:
1. في ضرر المتهم: مثل تشديد العقوبة أو تعديل الآثار الجنائية بما يسيء إليه
2. لصالح المتهم: تخفيف العقوبة أو تحسين المركز القانوني له.
رابعاً: شروط تطبيق القاعدة الجنائية
الجديدة الأصلح للمتهم
1. أن يكون
القانون الجديد أصلح للمتهم (تقدير القاضي).
2. أن يكون
القانون الجديد نافذاً (لا يكفي صدوره فقط، بل يجب تاريخ نفاذ
محدد).
3. أن يكون
القانون الجديد قانوناً (لا يشمل قرارات إدارية أو لوائح).
4. أن يكون ذلك قبل
صدور حكم بات في الدعوى الجنائية، وهذا الشرط يختص بتخفيف العقوبة فقط.
o
أما إذا أباح السلوك الذي كان مجرماً،
فلا يشترط صدور الحكم البات.
لحظة وقوع الجريمة وأثرها في تطبيق
القانون
- وقت وقوع الجريمة هو وقت
ارتكابها، وهو معيار لتحديد القانون الواجب التطبيق.
- إذا وقعت الجريمة في ظل القانون
القديم، تطبق أحكامه ما لم يكن القانون الجديد أصلح للمتهم.
- إذا وقعت في ظل القانون الجديد،
تطبق أحكامه حتى لو أضرّت بالمتهم.
الفرق بين الجرائم الوقتية والجرائم
الزمنية
1. الجريمة
الوقتية (الفورية):
o
تحدث خلال لحظة واحدة، مثل القتل
الفوري.
o
السلوك والنتيجة يتحققان في زمن
متتابع قريب تحت نفس القانون.
2. الجريمة
الزمنية:
o
يوجد فاصل زمني بين السلوك والنتيجة،
وتنقسم إلى:
أ. الجرائم المستمرة:
o
مثل استعمال محرر مزور، حيث يستمر
الجاني في السلوك.
o
ب. الجرائم المتعاقبة: مثل القتل
التمهيدي للسرقة، حيث ترتبط عدة أفعال بغرض واحد.
ج. جرائم العادة: تتكرر أكثر من
مرتين في فترة زمنية محددة (مثلاً أقل من 3 سنوات بين كل جريمة وأخرى).
- في هذه الجرائم الثلاث، يُطبق
القانون الجديد، حتى لو كان أشد عقوبة، لأن الجاني واصل السلوك في ظل القانون
الجديد.
استثناءات القوانين محددة الفترة
وقوانين الطوارئ
- الأصل: القانون الجديد يطبق بأثر فوري على الوقائع
الجديدة، ولا يطبق بأثر رجعي على وقائع قديمة.
- الاستثناء: القانون
الأصلح للمتهم يطبق بأثر رجعي على وقائع قديمة.
- الاستثناء: إذا كان
القانون مؤقتاً أو صادرًا لظرف طارئ (مثل قوانين الطوارئ)، فإنه يُطبق على
الوقائع التي حدثت أثناء سريانه فقط، ولا يطبق الوضع الجديد (بعد إلغاء
القانون) بأثر رجعي، حتى لا يفلت المتهم من العقاب وللحفاظ على حكمة إصدار
هذا القانون.
تطبيق عملي: حالة قانون الطوارئ أثناء
انتخابات
- وقعت أعمال شغب في مدينة خلال
الانتخابات، وأعلنت الحكومة حالة الطوارئ، والتي جرمّت التجمع في الشوارع
بالحبس.
- قبض على أحد الأشخاص بتهمة
مخالفة قانون الطوارئ.
- أثناء المحاكمة، انتهت حالة
الطوارئ، وطلب الدفاع تطبيق القانون الأصلح للمتهم وطلب البراءة.
- التحليل القانوني:
- تطبيق قانون الطوارئ على
الواقعة التي حدثت في فترة سريان القانون.
- لا يُطبق القانون الجديد (بعد
انتهاء الطوارئ) بأثر رجعي.
- المتهم يظل محكوماً بقانون
الطوارئ لأن الحكمة من إصدار القانون تتطلب عدم السماح بالهرب من العقاب بعد
إلغاء القانون.
المبحث الثاني
نطاق تطبيق القانون الجنائي من حيث المكان
أولاً – مبدأ الإقليمية
يُعد مبدأ الإقليمية الأصل العام في تحديد نطاق الاختصاص
المكاني للقوانين الجنائية. وفقًا لهذا المبدأ، يُطبق قانون العقوبات على الجرائم
التي ترتكب داخل إقليم الدولة، بغض النظر عن جنسية مرتكبها.
تبرير مبدأ الإقليمية:
- لكل دولة سيادة وسلطة على
إقليمها وما عليه.
- تطبيق القانون على الجرائم داخل
الإقليم يحقق عدالة جنائية أفضل، لأنه:
- يُسهّل على الجهات المختصة
إجراء التحقيقات والمحاكمات.
- يتوافر في الإقليم الأدلة
والشهود.
- يمكن معرفة ماضي المتهم وظروف
ارتكاب الجريمة بدقة.
- يكون للعقوبة تأثير رادع عام في
نفس الإقليم.
تحديد إقليم الدولة
ينقسم إقليم الدولة إلى:
1. الإقليم
الحقيقي (المادي)، ويتكون من:
o
الأرض
o
البحر
o
الجو
2. الإقليم الحكمي، ويشمل:
o
السفن والطائرات الوطنية،
o
السفارات الوطنية الموجودة في دول
أجنبية.
الإقليم الأرضي
تعتبر الجريمة مرتكبة داخل إقليم الدولة إذا تحقق فيه
الركن المادي للجريمة (السلوك أو النتيجة)، سواء كاملاً أو جزئياً، مثل:
- وقوع السلوك والنتيجة داخل
الإقليم (مثال: قتل شخص داخل الدولة).
- وقوع السلوك داخل الإقليم،
والنتيجة خارجها (مثال: إعطاء سم داخل الدولة ثم وفاة المجني عليه في دولة
أخرى).
- وقوع جزء من السلوك داخل الإقليم
وجزء آخر خارجه (مثال: إعطاء جرعات سم مختلفة داخل وخارج الإقليم).
- وقوع النتيجة أو تحققها داخل
الإقليم حتى لو بدأ السلوك خارجه (مثال: إرسال طرد متفجر من الخارج إلى داخل
الدولة).
- تحقق الرابطة السببية داخل
الإقليم (مثال: تلقي السم داخل الإقليم ثم وفاة المجني عليه في مكان آخر بسبب
عجز الجاني عن العلاج).
ولا يؤثر مكان العزم على ارتكاب الجريمة أو تحضير
أدواتها خارج الإقليم على تطبيق القانون.
الإقليم البحري والجوي
- الإقليم البحري: يمتد
لمسافة محددة من الشاطئ، ويشمل البحر الإقليمي والسفن الوطنية في المياه
الإقليمية.
- الإقليم الجوي: يشمل طبقة
الهواء فوق الإقليم الأرضي والبحر الإقليمي، ويشمل الطائرات الوطنية.
القانون الواجب التطبيق على الجرائم في السفن والطائرات:
1. السفن
والطائرات الوطنية:
o
يُطبق عليها قانون العلم الذي ترفعه
السفينة أو الطائرة، بغض النظر عن مكان وجودها (بحر إقليمي، بحر عام، أو فضاء جوي
عام).
o
يشمل ذلك السفن والطائرات المدنية
والعسكرية.
2. السفن
والطائرات الأجنبية:
o
الأصل: لا يطبق عليها القانون الوطني
طالما لم تتجاوز الجريمة حدود السفينة أو الطائرة، فتخضع لقانون العلم الذي تحمله.
o
الاستثناءات للسفن الأجنبية في البحر
الإقليمي الوطني:
§
إذا هددت الجريمة أمن الدولة أو
مصالحها (مثلاً حيازة المخدرات).
§
إذا كان الجاني أو المجني عليه من
خارج ركاب السفينة.
§
إذا طلبت السفينة تدخل السلطات
المحلية.
o
الاستثناءات للطائرات الأجنبية:
§
إذا كان الجاني أو المجني عليه وطنياً.
§
إذا هبطت الطائرة في الإقليم الوطني
بعد وقوع الجريمة.
وضع ذوي الحصانة من مبدأ الإقليمية
رغم أن قانون العقوبات يطبق على الجرائم داخل الإقليم
بصرف النظر عن جنسية الفاعل، إلا أن هناك فئات معينة تتمتع بحصانة جنائية لا تخضع
للقانون أو القضاء الجنائي الوطني، مثل:
- رئيس الدولة وأعضاء المجلس
النيابي.
- رؤساء الدول الأجنبية والمبعوثون
الدبلوماسيون.
- رجال القوات الأجنبية المرابطون
في الإقليم بترخيص الدولة.
وتستمد هذه الحصانات من:
- القانون الوطني الداخلي (مثلاً رئيس الدولة وأعضاء المجلس
النيابي).
- القانون الدولي العام (بالنسبة لباقي الأشخاص ذوي
الحصانة).
نص القانون الجنائي السوداني على هذا المبدأ:
- تسري أحكام القانون على كل جريمة
أُرتكبت كلها أو بعضها في السودان.
- يُعرَّف السودان بأنه يشمل مجاله
الجوي، مياهه الإقليمية، وجميع السفن والطائرات السودانية أينما وجدت.
ثانيًا – مبدأ العينية
يطبق القانون الوطني على فئات معينة من الجرائم التي تقع
خارج الإقليم الوطني، سواء كان الجاني وطنياً أو أجنبياً، وكذلك سواء كانت الجريمة
معاقباً عليها في الدولة الأجنبية أم لا.
مبرر المبدأ: لأن هذه الجرائم تمس مصالح الدولة
الحيوية، وقد تتراخى الدولة التي وقعت فيها الجريمة في ملاحقة الجناة.
شروط تطبيق مبدأ العينية:
- وقوع الجريمة كلها خارج الإقليم.
- أن تكون الجريمة من فئات محددة،
مثل:
- الجنايات التي تمس أمن الدولة.
- تقليد خاتم الدولة.
- تقليد أو تزوير العملة أو
السندات المصرفية أو الأجنبية المتداولة داخل الدولة.
ثالثًا – مبدأ الشخصية
يطبق القانون الوطني على الجاني إذا كان وطنياً وارتكب
الجريمة خارج الإقليم الوطني.
شروط تطبيق مبدأ الشخصية:
1. أن يكون الجاني
وطنياً وقت ارتكاب الجريمة، أو يكتسب الجنسية بعد ارتكابه لها.
2. أن تكون
الجريمة جسيمة (جناية أو جنحة).
3. أن تكون
الجريمة معاقباً عليها في قانون الإقليم الذي وقعت فيه.
4. ألا يكون قد
حُكم نهائياً على الجاني في الخارج أو سقط حق الملاحقة بالتقادم أو العفو.
5. أن يكون الجاني
قد عاد اختيارياً إلى وطنه.
رابعًا – مبدأ الحماية
يرتبط مبدأ الحماية بجنسية المجني عليه، فإذا كان وطنياً، ينطبق الاختصاص للدولة التي ينتمي إليها رغم وقوع الجريمة خارج إقليمها.
الفصل الخامس
موانع المسؤولية الجنائية
المبحث الأول
المقصود بموانع المسؤولية الجنائية
موانع المسؤولية الجنائية هي الأسباب التي تحول دون
تحميل الشخص تبعة ارتكابه للجريمة، رغم توافر الركن المادي للجريمة ووجود نص
قانوني يجرم الفعل. بمعنى آخر، بالرغم من ارتكاب الفعل الجرمي، لا يُسأل الفاعل
جنائياً بسبب وجود موانع قانونية تعفيه من المسؤولية.وتتمثل هذه الموانع بشكل رئيسي في عدم
التمييز وعدم الاختيار.
تعداد موانع المسؤولية في قانون
العقوبات
وفقاً لقانون العقوبات، تتمثل موانع المسؤولية فيما يلي:
1. صغر السن
2. فقد الإدراك
والتمييز
3. حالة الضرورة
4. الإكراه
أولاً: عدم التمييز لصغر السن
لا تقع المسؤولية الجنائية على من كان فاقداً للتمييز
بسبب صغر السن، حيث يُقدر سن التمييز بسبع سنوات.
ويُحتكم في
تحديد السن إلى وقت ارتكاب الجريمة، فإذا كان الفاعل دون السابعة عند وقوع الجريمة
ثم بلغها بعد ذلك، فلا تتحقق مسؤوليته الجنائية.
ثانياً: فقد الإدراك أو الاختيار
الإدراك والاختيار كأساس للمسؤولية
الجنائية
لا يُسأل جنائياً من فقد إدراكه، أي من أصابه عارض صحي
أو حالة عقلية أفقدته القدرة على فهم أو التحكم في أفعاله. مثل الشخص البالغ الذي
يعاني من مرض عقلي أو تحت تأثير مخدرات تفقده إدراكه.في هذه الحالة، تنتفي مسؤوليته
الجنائية.
أسباب فقد الإدراك أو الاختيار
1. عاهة في العقل:تشمل الجنون أو الأمراض العقلية الأخرى التي تفقد المتهم إدراكه أو سيطرته
على أفعاله، سواء كانت هذه العاهة موروثة أو مكتسبة، وتُقدر بحسب أثرها على
الإدراك والاختيار.
نتائج ذلك:
- لا يُسأل المتهم جنائياً
- يتحمل المتهم المسؤولية المدنية
- يخضع لتدابير علاجية في مستشفى
متخصص
2. تناول المخدرات:تُعامل حالات تعاطي المخدرات والمسكرات على قدم المساواة، حيث يُعفى من
العقاب من كان فاقداً للشعور أو الاختيار وقت ارتكاب الجريمة بسبب جنون أو عاهة
عقلية، أو نتيجة غيبوبة ناجمة عن عقاقير مخدرة تم تناولها قهراً أو دون علمه.
ثالثاً: حالة الضرورة
تعريف حالة الضرورة
هي ظرف خارجي غير بشري يحيط بالفرد ويُجبره على ارتكاب
الجريمة للتخلص من خطر جسيم يهدد حياته أو سلامته أو سلامة غيره.
مثال: كسر باب
لإنقاذ النفس من حريق في مسكن مستأجر.
في هذه الحالة
تُعتبر الجريمة مبررة قانونياً.
رابعاً: الإكراه
تعريف الإكراه
الإكراه هو قوة مادية أو معنوية تسيطر على إرادة الشخص
وتلغي حريته في الاختيار.
- الإكراه المادي: فرض قوة
جسدية مباشرة على الفاعل.
- الإكراه المعنوي: تهديد أو
إكراه نفسي يمنع الشخص من الاختيار بحرية.وكلا
النوعين يُعدان من عيوب الإرادة التي تمنع المسؤولية الجنائية.
المبحث الثاني
التمييز بين أسباب الإباحة وموانع المسؤولية
- موانع المسؤولية تحول دون
مساءلة الفاعل رغم وقوع الجريمة، حيث يُعفى من المسؤولية بسبب فقدانه الأهلية
الجنائية (كالصغير والمجنون).
- أما أسباب الإباحة فهي
ترفع عن الفعل صفة التجريم نفسها، فلا تكون الجريمة قائمة أصلاً.
فروق مهمة:
1. الطبيعة
القانونية:
o
أسباب الإباحة تنفي الجريمة أو تجريم
الفعل.
o
موانع المسؤولية لا تنفي وقوع الجريمة
ولا الخطأ، بل تعفي الفاعل من المساءلة.
2. امتداد الأثر:
o
أسباب الإباحة تؤثر على كل من الفاعل
والشريك في الجريمة.
o
موانع المسؤولية تخص الشخص الذي
تتوافر فيه المانع فقط، فإذا شارك في الجريمة آخرون، يُسأل كل منهم حسب أهليته.
3. المسؤولية
المدنية:
o
توافر أسباب الإباحة يرفع المسؤولية
المدنية.
o
أما موانع المسؤولية فلا تمنع
المسؤولية المدنية، فالصغير والمجنون مثلاً يسألان مدنياً للتعويض.
4. التدابير
القانونية:
o
لا تخضع حالات الإباحة لتدابير علاجية
أو إدارية.
o
أما الصغير غير المميز والمجنون فقد
يُخضع لتدابير خاصة قانونية أو علاجية.
الفصل السادس
العقوبات الجنائية
المبحث الأول
العقوبة في القانون السوداني
تنقسم العقوبات في القانون السوداني تبعًا للحق الذي
تصيبه إلى أنواع متعددة، وهي كما يلي:
- عقوبات تمس سلامة جسم الإنسان: مثل
الإعدام، الجلد بالسوط.
- عقوبات تمس حرية الإنسان: أي سالبة
للحرية مثل الحبس المؤقت، الحبس المؤبد، والحجز في الإصلاحية.
- عقوبات مالية: كالغرامة،
التجريد من الأموال، والمصادرة.
أما من ناحية أصالتها، فتقسم العقوبات إلى:
- عقوبات أصلية: وهي
العقوبات المقررة أصلاً للجريمة، مثل القصاص في القتل، الرجم في الزنا، القطع
في السرقة، الحبس المؤبد والمؤقت، والغرامة.
- العقوبات البديلة: وهي التي
تحل محل عقوبة أصلية إذا امتنع تطبيق العقوبة الأصلية لسبب شرعي، مثل الدية
التي تحل محل القصاص، والتعزير الذي يحل محل الحد أو القصاص عند درئهما.
تجدر الإشارة إلى أن العقوبات البديلة ليست عقوبات
ثانوية أو هامشية، بل كانت في الأصل عقوبات قائمة بحد ذاتها، لكنها تصبح بديلة فقط
في حالات منع تطبيق العقوبة الأشد. فمثلاً، الدية تعتبر عقوبة أصلية في جريمة
القتل شبه العمد، لكنها بديلة عن القصاص. وكذلك التعزير عقوبة أصلية في جرائم
التعزير، ويُحكم به بدلاً من الحد أو القصاص إذا منع تطبيقهما بسبب شرعي.
من التدابير الخاصة التي نص عليها القانون:
- الإصلاحية: تُطبق
كعقوبة على الطفل الجانح الذي لم يبلغ سن الثامنة عشر، وفقًا لقانون الطفل
لسنة 2010م، إذا ارتكب فعلاً يشكل جريمة.
- التغريب: يوقع
كعقوبة بديلة على الذكور الذين تجاوزوا سن السبعين، إذا ارتكبوا جريمة وادينوا
بها، وذلك وفقًا للمواد 33 و48 من القانون الجنائي لسنة 1991م. ويُذكر أن
جريمة الزنا في حق الرجل غير المحصن يعاقب عليها بالجلد مع التغريب لمدة سنة.
والمذهب المالكي يعتمد على تغريب الرجل دون المرأة، مستندًا إلى أن تغريب
المرأة قد يكون أشد لأن ذلك قد يؤدي إلى زنا أشد منه.
كما يمكن أن تكون عقوبة السجن بديلة في حال عدم دفع
الغرامة التي تحكم بها المحكمة في جرائم التعزير التي يعاقب عليها بالغرامة فقط.
وقد وضع المشرع سقوفًا لمدد السجن التي لا يجوز تجاوزها عند استبدال الغرامة
بالسجن:
- شهران إذا كانت الغرامة لا تزيد
على ألف جنيه.
- أربعة أشهر إذا كانت الغرامة لا
تزيد على خمسة آلاف جنيه.
- ستة أشهر في الحالات الأخرى.
فيما يخص وضع النساء في السجن، لم يفرق القانون السوداني
منذ قانون العقوبات الأول عام 1899م بين الرجل والمرأة من حيث إمكانية الحبس، وقد
نظمت كيفية معاملتهن حسب قانون السجون لعام 1992م، واللائحة المنظمة للعمل بالسجون
ومعاملة النزلاء لسنة 1997م.
أما جريمة الجلد، فترتفع العقوبة عن من بلغ سن الستين أو
كان مريضًا، ويُعاقب بعقوبة بديلة، مع استثناء جرائم الحدود التي لا يُرفع عنها
الحد بسبب السن أو المرض.
المبحث الثاني
مقاصد العقوبة البديلة وملاءمتها للقانون الجنائي
تُعتبر العقوبة ردًا على الجريمة، وقد استخلص الفقه
مقاصدها في النقاط التالية:
1. إرضاء شعور
العدالة: إذ يُنظر إلى
الجريمة كفعل عدواني ظالم، وهذا الشعور يعزز الاستقرار الاجتماعي. في الماضي، كانت
العقوبة تُنظر إليها كتكفير عن الإثم، وبالتالي فإن أحد أهدافها إرضاء الشعور
الديني والاجتماعي.
2. دفاع المجتمع: تهدف العقوبة إلى ردع الجاني ومنعه من
العودة إلى الجريمة، وكذلك وقاية المجتمع من اقتداء الآخرين به مستقبلاً. في هذا
الصدد، تتضمن العقوبة منعًا خاصًا أو وقاية فردية (من خلال تقويم الجاني أو إصلاحه
أو ردعه)، ومنعًا عامًا أو وقاية اجتماعية (بحماية المجتمع ومنع الآخرين من
الاقتداء بالجاني).
ملاءمة نظام العقوبات البديلة للقانون
الجنائي السوداني
القانون الجنائي السوداني لسنة 1991، المستمد من أحكام
الشريعة الإسلامية، جاء مواكبًا للمستجدات ومتطلبات المجتمع السوداني، المتوافقة
مع العادات والتقاليد الإسلامية والاجتماعية. فقد احتوى على نصوص تتعلق بجرائم
الحدود، والقصاص، والتعزير، والديات.
وقد أتاح القانون للمشرع التقدير في توقيع العقوبات
البديلة بما يتناسب مع ظروف وملابسات كل جريمة على حدة، وترك سقفًا أعلى للعقوبة
دون تحديد حد أدنى، مما يوفر مرونة للقاضي في تحقيق الغاية المرجوة من العقوبة،
وهي حماية المجتمع، وتقويم المجرمين، وردعهم، ومنع الآخرين من الاقتداء بهم.
كما نص القانون على عدم مساءلة الطفل الجانح جنائيًا
وتوقيع التدابير المناسبة عليه، وعدم توقيع عقوبة السجن على من بلغ 70 سنة، وعدم
تطبيق الجلد على من بلغ 60 سنة (عدا جرائم الحدود).
التطبيقات القضائية للعقوبات البديلة
وردت عدة أحكام قضائية مهمة في هذا المجال، منها:
- حكومة السودان ضد خير السيد عجب
سيدو (المجلة 1974 ص 287): استقر قضاء المحكمة على أن صغر السن يعد سببًا
لقبول توقيع العقوبة البديلة بدلًا من الإعدام.
- حكومة السودان ضد بشارة ضحية
زايد (المجلة 2003 ص 412): عند تقدير العقوبة، يُؤخذ بعين الاعتبار سن المتهم
وقت وقوع الحادث لا عند تاريخ المحاكمة.
- حكومة السودان ضد سعيد الطيب
الحاج (المجلة 1961 ص 113): قضت المحكمة بعدم تنفيذ عقوبة الإعدام على من تجاوز
عمره 70 سنة.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين