الثلاثاء، 21 فبراير 2017

الجريمة المعلوماتية، تعريفها، تقسيماتها وأسباب إخضاعها لتشريعات خاصة. (دراسة في إطار القانون السوداني(



الجريمة المعلوماتية، تعريفها، تقسيماتها وأسباب إخضاعها لتشريعات خاصة. (دراسة في إطار القانون السوداني(

الدكتور .إبراهيم قسم السيدمحمد طه
المستشار القانوني بوزارة العدل جمهورية االسودان .
.
         
تمهيد وتقسيم :
       عرفت البشرية الجريمة منذ بدء الخليقة، ولعل في قصة هابيل وقابيل المعروفة والواردة في القرآن الكريم مايؤكد هذا القول(1). ومن ثم تطورت المجتمعات وإختلفت بواعث الجريمة ووسائل إرتكابها حتى وصلنا إلى مرحلة جرائم المعلوماتية في هذا العصر.
          إن الحديث عن هذه الجريمة أي الجريمة المعلوماتية يتطلب تعريفها وهو تعريف سنتعرض له بإيجاز غير مخل بحسبان أي عدداً مقدراً من المراجع والبحوث أسهبت في ذلك وفصلت، ومن ثم سنذهب للحديث عن نهج المشرع السوداني في تقسيم هذه الجرائم في قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 ومن بعد ذلك نتناول الأسباب التي حدت بالمشرع لإصدار تشريعات خاصة بهذه الجرائم.
ووفقاً لذلك قسمنا هذا البحث لما يلي :
 المبحث الأول : ماهية الجريمة المعلوماتية ونهج المشرع السوداني في تقسيمها .
 المبحث الثاني : أسباب سن تشريعات خاصة للجريمة المعلوماتية .

المبحث الأول
ماهية الجريمة المعلوماتية ونهج المشرع االسوداني في تقسيمها
أولاً : الجريمة في اللغة والشريعة الإسلامية والقانون :
          أصل كلمة جريمة من جرم بمعنى قطع، ولذلك يصلح أن نطلق كلمة الجريمة على ماهو مخالف للحق والعدل والطريق المستقيم.
          وأشتق من ذلك المعنى إجرام وأجرم، قال تعالى : ( إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون)(1) وقال تعالى : (كلوا وتمتعوا قليلاً إنكم مجرمون)(2) وقال تعالى : (إن المجرمين في ضلال وسعر)(3) ، ومن هذا البيان يتبين أن الجريمة هي : فعل الأمر الذي لايُستحسن ويُستعجب وهي فعل مانهى الله عنه وعصيان ما أمر الله به.
          أما في القانون فقد إختلفت التعريفات وإن كان المعنى يصب في نهاية الأمر في مصب واحد وهو تقدير جزاء على فعل جرمه المشرع، وقد أورد القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 تعريف الجريمة في المادة 3/7 منه بأنها : (تشمل كل فعل معاقب عليه بموجب أحكام هذا القانون ويشمل الإمتناع).
          والملاحظ أن قانون جرائم المعلوماتية السوداني لسنة 2007 لم يورد تعريفاً لجريمة المعلوماتية وإن كان قد أورد تعريفاً لكلمة المعلوماتية حيث عرفها في المادة (3) بأنها: (نظم وشبكات ووسائل المعلومات، البرمجيات والحواسيب والإنترنت والأنشطة المتعلقة بها) ( 4).
أما الجريمة المعلوماتية فقد وردت بشأنها تعريفات متعددة، ويطلق عليها أحياناً جرائم الكمبيوتر أو جرائم الحاسب الآلي وجرائم ذوي الباقات البيضاء، وعرفها البعض بأنها : (ذلك النوع من الجرائم الذي يتطلب إلماماً خاصاً بمهارات وتقنيات الحاسوب لعمل غير قانوني) وعرفها البعض الآخر بأنها : (عمل غير قانوني يستخدم فيه الحاسب الآلي كأداة أو موضوع للجريمة)(5).
الملاحظ لدينا ان التعريفات السابقة وغيرها التي تصدت لتعريف هذه الجريمة أوجدت قاسماً مشتركاً بينها هو إستخدام تقنية الحاسب الآلي (الكمبيوتر) في إرتكابها، ولعل هذا أمر يتفق ويتواءم مع طبيعة هذه الجريمة.
وكما سلف القول فإن قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 لم يورد تعريفاً لهذه الجريمة، غير أننا نجد أنه أورد ذات القاسم المشترك المذكور فقد أوردت كل النصوص أن الأفعال التي يجرمها ترتكب عن طريــق (شبكة المعلومات أو أجهزة الحاسوب أو مافي حكمها) ، ويبدو ان الضمير (هاء )في كلمة حكمها يعود إلى شبكة المعلومات واجهزة الحاسوب الواردتين في كل نص من نصوص القانون فيكون المعنى هو أن الفعل يعد جريمة بموجب أحكام هذا القانون إذا أستخدمت في إرتكابه أجهزة الحاسوب أو شبكة المعلومات أو مافي حكم أجهزة الحاسوب أو شبكة المعلومات من حيث التقنية المستخدمة في تشغيلها.
وفي هذا الصدد قد يقول قائل إن هذا الفهم يتعارض مع مايؤمن به فقهاء القانون الجنائي من حيث عدم توسعة النص الجنائي ووجوب الأخذ به كما هو في نطاقه الضيق منعاً للتوسع في التجريم ، حيث أن النص الجنائي لايتوسع في فهمه ولايقاس عليه، غير أننا نرى أن ما أورده المشرع هنا ليس فيه توسعة بالمعنى الذي ينصرف إليه الذهن، فوضع الأفعال التي يحكمها هذا القانون ويحرمها تختلف عن وصيفاتها من الأفعال التي تشكل جرائم تقليدية إذا جاز القول.
إننا نظن أن المشرع السوداني قد وفق في هذا النهج الذي إختطه فيما يتعلق بالنص على كيفية إرتكاب الجريمة فهذا التعريف لايغل يد النيابة والمحكمة إذا ظهرت تقنيات جديدة ترتكب بواسطتها الأفعال المجرمة وبالتالي لن تجد أجهزة العدالة نفسها محصورة في تعريف محدود بوسائل معينة خاصة وأن التطور  التقني في تجدد مستمر.
ثانياً : أساس تطبيق جرائم المعلوماتية وتقسيماتها في القانون االسوداني:ـ
أورد قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 أسس إنطباقه على الأفعال التي يجرمها في المادة (2)   كما يلي :
1.     أن ترتكب الجريمة المنصوص عليها فيه كلياً أو جزئياً داخل السودان أو خارجه أو يمتد أثرها داخل السودان.
2.     يجب أن تكون تلك الجرائم معاقباً عليها خارج السودان، وهذا بالطبع إذا كانت الجريمة أرتكبت خارج السودان أو إمتد اثرها إليه.
3.     يستوي أن يكون الفاعل أصيلاً أو شريكاً.
4.     مراعاة المبادئ التي نص عليها القانون الجنائي لسنة 1991.
وقد قسم قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 الأفعال المجرمة بموجبه في سبعة فصول فنص في الفصل الثاني على جرائم نظم ووسائط وشبكات المعلومات، والفصل الثالث نص على الجرائم الواقعة على الأموال والبيانات والإتصالات، أما الفصل الرابع فقد حوى جرائم النظام العام والآداب، والخامس إشتمل على جرائم الإرهاب والملكية الفكرية، وجاءت جرائم الإتجار في الجنس البشري والمخدرات وغسيل الأموال في الفصل السادس، أما الفصل السابع فقد نص على الأحكام العامة حيث عرف التحريض أو الإتفاق أو الإشتراك، وختم بالفصل الثامن الذي حوى إجراءات تنفيذ القانون، حيث أعطى رئيس القضاء الحق في إصدار قواعد خاصة لتحديد الإجراءات التي تتبع في مكافحة الجرائم التي حوتها نصوص القانون، كما نص الفصل ذاته على إنشاء نيابة متخصصة ومحكمة وشرطة خاصة بهذه الجرائم.
ثالثاً : محل الجريمة المعلوماتية وفقاً للقانون االسوداني :
          من الملاحظ أن القانون نص على إرتكاب الجريمة المعلوماتية عن طريق الشبكة  المعلوماتية أو أجهزة الحاسوب أو مافي حكمها وهذا يعني ضرورة التفرقة بين وقوع الجريمة على هذه الأجهزة ككيانات مادية وبين إرتكاب الجريمة بواسطة هذه الأجهزة.
في الحالة الأولى أي وقوع أي فعل مجرَّم على اجهزة الحواسيب ذاتها لا ينطبق قانون جرائم المعلوماتية فعند سرقة جهاز الحاسوب أو إتلافه أو تملكه بأي فعل مجرَّم مثل الإحتيال او النهب أو الإبتزاز أو التملك الجنائي فهنا ينطبق القانون الجنائي لسنة 1991على هذه الأفعال. أما في الحالة الثانية وهي حالة إرتكاب الجريمة بواسطة هذه الاجهزة فيطبق قانون جرائم المعلوماتية 2007.

المبحث الثاني
أسباب سن قوانين خاصة لجرائم المعلوماتية

يتساءل عدد مقدر من القانونيين والمهتمين عن السبب في إصدار تشريعات خاصة لجرائم المعلوماتية في ظل وجود تشريعات قائمة أصلاً  هي القوانين الجنائية أو الجزائية علي إختلاف مسمياتها؟ (1).
في إعتقادنا أن هذا التساؤل تساؤل مشروع لايجوز أن يُسفه فلا يرد عليه، أو يمُر عليه مرور الكرام فلا يجاب سائله، وإن تمت الإجابة عليه فلابد أن يكون ذلك بقدر يزيل الشك وينفي الريب لا أن يكون من باب الجدل والمراء.
ولعله من المناسب في هذا المقام القول بأن الجدل حول هذا الموضوع ليس جديداً وقد أثير في عدد من الكتابات التي تناولت مواضيع جرائم المعلوماتية، فيمكن من جماع ذلك القول بوجود مدرستين في هذا الصدد ترى إحداهما ضرورة إصدار قوانين خاصة بجرائم المعلوماتية في حين ترى الآخرى الإكتفاء بما هو موجود من قوانين عقابية أو جزائية وقياس الأفعال التي ترتكب بواسطة أجهزة التقانة الحديثة على ماورد من تجريم في هذه القوانين أو توسعتها لتشمل هذه الأفعال دون حاجة لإصدار قوانين جديدة.
ونحن نميل إلى رأي العلماء الأفاضل من أصحاب المدرسة الأولى التي ترى أن إصدار قوانين خاصة لتجريم هذه الأفعال هو الأنسب والأفضل بل لعلنا نذهب حتى إلى القول بضرورة إصدار قانون خاص لإجراءات هذه الدعاوى. وسنسوق بعض الحجج في هذا الشأن كما يلي :
1.     عقبة مبدأ الشرعية الإجرائية :
من المعلوم أن ثمة مبدأ أساسي في مجال القانون الجنائي هو مبدأ الشرعية الإجرائية وهو مبدأ يبسط سلطانه على إجراءات التجريم الجنائي ويعبر عنه بأن لاجريمة ولا عقوبة إلا بنص تشريعي سابق فيمتنع بالتالي تجريم أي فعل لم ينص المشرع على تجريمه مسبقاً بنص وارد في القانون الجزائي أو العقابي ، وهو مبدأ منصوص عليه في كافة الدساتير وصكوك حقوق الإنسان الدولية .
وهذا المبدأ تترتب عليه نتائج هامة (1):
أ‌.        العقوبة والتدابير الإحترازية أو تدابير الإصلاح لاتوقع مالم تكن محددة النوع والمقدار بواسطة القانون.
ب‌.      القانون الجديد المنشئ لجريمة او عقوبة لايسري على الماضي أي على افعال أرتكبت قبل وجوده، وان القانون القديم الذي لاينطوي على جريمة أو عقوبة لايسري بعد إلغائه.
ت‌.     لايجوز إنشاء جريمة أو عقوبة عن طريق القياس فالعقاب عمل الشارع يخرجه بقانون لاعمل القاضي يستنبطه من العلل المشرعة للأحكام.
صحيح أن هنالك تطوراً ملحوظاً طرأ على مبدأ المشروعية تمثل في إعطاء القاضي مرونة وسلطة تقديرية فيما يتعلق بتقدير العقوبة التي تتفق وظروف الجريمة فمثلاً تطور التشريع فجعل للعقوبة حداً أقصى أعلى وحداً أدني وعقوبات تخييرية للقاضي فيما يخص الفعل الواحد، كما أعطى للسلطة التنفيذية الحق في تنفيذ العقوبة بالطريقة الملائمة أو العفو عنها ومع ذلك فإن المرونة التي طرأت على مبدأ قانونية الجرائم والعقوبات قد وردت على المبدا في شقه الثاني وهو تقدير العقوبه دون الشق الأول الخاص بخلق الجرائم فقد بقى هذا الشق علي جموده ومنع القاضي من أية سلطة تقديرية في شأن تقدير الجرائم(2)
بالنظر إلى هذا المبدأ في إطار جرائم المعلوماتية نجد ان هذه الجرائم جرائم مستحدثه وجديدة سواء كانت هذه الجدة في وسيلة إرتكابها نفسها أو أهدافها أو في شخص المجرم الذي يرتكبها أو إثباتها، ونتج عن هذه الجدة أن أركان هذه الجرائم لا توافق في أغلب الأحيان أركان الجرائم المنصوص عليها في القوانين العقابية السارية أصلاً وحتى وإن وجد وجه شبه إلا أن التمحيص الدقيق يثبت أننا أمام جرائم جديدة بالكلية، وبالتالي فإن القياس على الجرائم التقليدية يجعل القاضي أو جهات الإدعاء العام  تنصب من نفسها مشرعاً يسهم في وضع أركان لجرائم جديدة.
ولنا في هذا المجال أن نضرب مثلاً ببعض الجرائم الواردة في قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007 نفسه فمثلاً جريمة إختراق المواقع الإلكترونية تبدو شبيهة بجريمة التعدي الجنائي المنصوص عليها في المادة (183) من القانون الجنائي 1991، كما أن جريمة إتلاف المعلومات المخزنة داخل أجهزة الحاسوب تشابه جريمة الإتلاف الجنائي المنصوص عليها في المادة (182) من ذات القانون ، ولكن لايمكننا قياس هذه على تلك فجريمة التعدي الجنائي تتطلب أن يكون هناك عقار أو منقول في حيازة شخص ليتم التعدي عليه بالدخول أو التدخل أو البقاء وبداهة لايمكننا قياس الموقع الإلكتروني على العقار أو المنقول، كما أن الإتلاف في جريمة الإتلاف الجنائي يقع على المال أما في جريمة إتلاف المعلومات فيقع على المعلومات نفسها والتي لايمكننا قياسها على المال.
ووفقاً لما سبق نجد أن النظر لهذه الأفعال المستحدثة والتي تشكل جرائم معلوماتية في إطار القوانين السارية يصادم مبدأ الشرعية الإجرائية.
2.     إختلاف محل الجريمة المعلوماتية عن محل الجريمة التقليدية :
النظر إلى الأفعال التي تتشكل منها جرائم المعلوماتية يوصلنا إلى أن محل هذه الجريمة يختلف على محل الجرائم التقليدية المعروفة في أغلب الأحيان. إذ أن هدف المجرم المعلوماتي قد يكون هو المعلومة نفسها بمفهومها الواسع.
     والمعلومات Information) ) كلمة شاع إستخدامها في الخمسينيات من القرن الماضي في مجالات مختلفة وسياقات شتى، ومن حيث اللغة فإن كلمة المعلومات مشتقة من العلم ودلالتها بوجه عام تدور حول المعرفة التي يمكن نقلها وإكتسابها. أما المعنى الإصطلاحي فنجد تشابه المئات من التعريفات بشأنه ، ويمكن تعريفها بصفة عامة بأنها : (مجموعة من الرموز أو الحقائق أو التعليمات التي تصلح أن تكون محلاً للتبادل أو الإتصال أو التفسير أو التأويل أو المعالجة سواء بواسطة الأفراد أو الأنظمة الإلكترونية) وميزة المعلومات هي المرونة بحيث يمكن تجزئتها وتتغييرها وجمعها أو نقلها بوسائل و أشكال مختلفة.
من جانب آخر يقسم بعض الفقه المعلومات إلى أنواع ثلاثة هي : المعلومات الإسمية، وهي المعلومات المرتبطة بالشخص كإسمه وعنوانه وحالته وموطنه، والمعلومات المتبلورة في شكل مصنفات فكرية أو أدبية، والطائفة الثالثة هل المعلومات العاطلة وهي المعلومات المتاحة للجميع مثل تقارير البورصة اليومية وخلافه.
إن محل الجريمة المعلوماتية هو دائماً المعطيات إما بذاتها أو بما تمثله هذه المعطيات التي قد تكون مخزنة داخل النظام أو تكون في طور النقل والتبادل ضمن وسائل الإتصال المندمجة مع نظام الحوسبة، والأفعال التي تتضمن سرقة المعلومات تتحذ أشكالاً عديدة معتمدة على الطبقة التقنية للنظام محل الإعتداء وكذلك على الوسيلة التقنية المتبعة لتحقيق الإعتداء ، فالحواسيب في الوقت الراهن مخازن للمعلومات الحساسة كالملفات المغلقة بالحالة الجنائية والمعلومات العسكرية وخطط التسويق وهذه تمثل هدفاً للعديد من الجهات بما فيها أيضاً جهات التحقيق الجنائي والمنظمات الإرهابية وجهات المخابرات والأجهزة الأمنية وغيرها
     إن عمليات الإستيلاء على هذه المعلومات أو تبديلها أو تخريبها لا يمكن تطبيق نصوص الجرائم العادية  عليها فيما يري جانب من الفقه ، غير أن جانباً من الفقه الجزائي بفرنسا ذهب إلى إمكانية تطبيق الأحكام الخاصة بالسرقة على الإستخدام غير المشروع لنظام الحاسوب إستناداً على المفهوم القانوني لفكرة السرقة التي طبقها القضاء الفرنسي في بعض أحكامه، إذ أن فعل السرقة عند الإستخدام غير المشروع لنظام الحاسوب من وجهة نظر القانون الجزائي يقتضي الإنتقال المادي للشيئ محل السلوك الإجرامي ويكفي كذلك مجرد الإعتداء على حيازة هذا المحل، وبحسب أصحاب هذا الرأي فإن الإعتداء على معطيات الحاسوب تشكل سلباً لمالكه وحرماناً له من مدة زمنية هي فترة الإعتداء وقد إنتقد رأي آخر هذا المذهب قائلاً بعدم إمكانية تطبيق مفهوم السرقة في مثل هذه الحالة إذ أن السلوك الإجرامي لم ينصب على جهاز الحاسوب وإنما على الوظيفة التي يؤديها هذا الجهاز ، فالجاني يقوم بالإستفادة من هذه الخدمات عند تسلله للجهاز دون أن يكون له الحق في ذلك، وهذا الفعل كما هو واضح لايشكل الإطار التقليدي لجريمة السرقة، كما أنه ينافي فكرة الإستئثار أو السيطرة على الشيء محل السرقة.
من جانب آخر نرى أن جريمة السرقة في الأصل تقوم على أن الشيء محل السرقة مال ولايمكننا القول إن المعلومات عبارة عن مال ، صحيح أن البعض إعتبر أن المعلومات أموالاً معنوية، غير أن هذا المفهوم أثار ومازال يثير مشكلة إمكان إنطباق النص الجزائي عليه كما هو الشأن في حالة إنطباقه على الأمور المادية، ومصدر المشكلة واساس الجدل هو الطبيعة المعنوية للمعلومات، ونعني هنا المعطيات المجردة من وسائطها المادية التي هي مجرد نبضات في فضاء تخيلي وليست ذات كيان مادي يستغل حيزاً في الوجود أو الحقيقة الملوسة، أي أن أساس الجدل هو قابلية النص الجنائي الذي يخص الأشياء المادية للإنطباق على المعطيات ذات الطبيعة المعنوية(1).
     إن ماذكرناه سابقاً يوضح بجلاء أن هذا النوع من الجرائم ذو طبيعة خاصة لايصلح ان يترك امر التعامل معه إلى القوانين الجزائية أو العقابية السارية اصلاً لأن الأمر لن يسلم حينئذ من جدل واسع خاصة مع دقة المبدأ المتعلق بإثبات الجريمة الجنائية والذي يتطلب إثباته فوق مرحلة الشك المعقول.
3.     خطورة جرائم المعلوماتية يتطلب إصدار قوانين خاصة لتجريمها :
تعد جرائم المعلوماتية من الجرائم الخطيرة بمكان ويتمثل ذلك في الآتي :
أ‌.       الجريمة المعلوماتية من الجرائم العابرة للقارات :
تعد الجريمة العابرة للقارات والتي تسمي أيضاً الجريمة المنظمة عبر الوطنية من أخطر الجرائم في العصر الحاضر وتعد العولمة مصدر وأساس هذه الجريمة، صحيح أن العولمة كانت هي الأساس في إتساع إستخدام الحاسوب وشبكة الإنترنت والهاتف الخلوي والأقمار الصناعية ونمو الشركات المتعددة الجنسية .....الخ، ولكن بالمقابل هي نتيجة حتمية لظهور جرائم جديدة كالجريمة المنظمة عبر الوطنية(1).
إن الجريمة المعلوماتية واحدة من أخطر نماذج الجريمة العابرة للقارات لأنها  - كما سلف القول – ترتكب عبر أجهزة الحاسوب وتستخدم شبكة المعلومات وشبكة الإنترنت في إستخدامها ومعلوم أنه في عصر السماوات المفتوحة لم تعد هناك حدود تفصل بين الدول وبالتالي فإن سهولة إستخدام الشبكة العنكبوتية أو شبكة الإنترنت وإمكانية إرتكاب أياً من أنماط جرائم المعلوماتية في أي وقت وفي أي بقعة إنطلاقاً من أي بقعة في الأرض يوضح لنا خطورة هذه الجريمة ومدى الأضرار التي يمكن أن تتسبب فيها مما يجعل الحاجة لقوانين خاصة تحكمها وتردع مرتكبيها أمراً لازماً.
ب‌.   المخاطر الإقتصادية للجريمة المعلوماتية :
من الأسباب التي تدعو للقول بضرورة إيجاد قوانين خاصة للجريمة المعلوماتية المخاطر الإقتصادية التي تترتب على إرتكابها فبالرغم من حداثة جرائم الحاسب الآلي والإنترنت نسبياً إلا أنها لقيت إهتماماً من بعض الباحثين، حيث أجريت العديد من الدراسات المختلفة لمحاولة فهم هذه الظاهرة ومن ثم التحكم فيها، ومنها دراسة أجرتها منظمة (Business sot war at alliance ) في الشرق الأوسط في حجم خسائر جرائم الحاسب الآلي حيث تراوحت مابين 30.000.000 ثلاثين مليون دولار في المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة و1.400.000 مليون وأربعمائة ألف دولار في لبنان، كما أظهرت دراسة قامت بها الأمم المتحدة أن (24-42%) من منظمات القطاع العام والخاص على حد سواء كانت ضحية لجرائم تتعلق بالحاسب الآلي والإنترنت، وقد قدرت الولايات المتحدة خسائرها من جرائم الحاسب الآلي مابين ثلاثة وخمسة بلايين دولار سنوياً، كما قدرت المباحث الفيدرالية (FBI) في نهاية الثمانينيات الميلادية أن متوسط تكلقة جريمة الحاسب الآلي الواحدة حوالي ستمائة ألف دولار سنوياً مقارنة بمبلغ ثلاثة آلاف دولار سنوياً هو متوسط الجريمة الواحدة من جرائم السرقة بالإكراه(1).
          إن تأثير الجريمة المعلوماتية على النواحي الإقتصادية يبدو واضحاً من خلال الأرقام المخيفة التي سجلتها الجهات المختصة كخسائر حدثت للعديد من شركات القطاع الخاص والعام وفي إعتقادنا أن ماخفي من هذه الأرقام أعظم لأن العديد من هذه الجهات التي تعرضت لخسائر بسبب الجريمة المعلوماتية تحجم عن التبليغ خوفاً من أن تفقد زبائنها الذين تعتمد عليهم بسبب إنسحابهم أو ترددهم في التعامل معها في حالة علمهم بوجود إعتداءات أو هجمات إلكترونية حدثت لها.

ج :المخاطر الإجتماعية للجريمة المعلوماتية :
من الدواعي التي تؤيد الإتجاه لإستحداث قوانين خاصة بجرائم المعلوماتية المخاطر التي تهدد المجتمع نتيجة لجريمة المعلوماتية.
إن أكثر الفئات تعاملاً مع الشبكة العنكبوتية والتي تتم عبرها الجريمة المعلوماتية هي فئة الشباب والأطفال من الجنسين وبالتالي فإن وقوع هذه الفئات ضحايا لهذه الجريمة ينذر بمخاطر لاحد لها. فشبكة الإنترنت بما تقدمه من خدمات تصفح المواقع الإلكترونية والبريد الإلكتروني، فضلاً عن ظهور أجهزة الهاتف الذكية الحديثة التي أصبحت في متناول الجميع تجعل من السهولة بمكان وقوع هذه الفئات ضحايا لجرائم لامخدرات والإرهاب والتحرش الجنسي وغيرها من الجرائم.
إن جريمة مثل جريمة الإرهاب علي سبيل المثال تتطلب المرور بمراحل البناء والحصانة والمتمثلة بتجنيد الأعضاء في المجموعة الإرهابية وتعريفهم بمبادئها والبحث عن التمويل لضمان الإستمرارية وتدريب الأعضاء وتزويدهم بالأدوات كوسائل الإتصال والنقل والتدريب وتقسيم العمل، وقد استفادت هذه الجماعات كثيراً من تكنولوجيا الاتصال الحديثة التي قللت من تأثير المسافة والزمن المعيق لإنتقال الأفكار والمعلومات ومنها الهواتف الثابتة والنقالة والإنترنت وخدماته، مثل البريد الإلكتروني، استفادت المجموعات منها في الترويج لهذه الجريمة(1).
          من جماع ماسبق يتضح لنا ما للجريمة المعلوماتية من آثار عميقة ومختلفة ومتعددة المخاطر وكل هذا يشير إلى إتجاه واحد وهو ضرورة حكمها بنصوص تجريمية خاصة تحقق الردع المطلوب تحقيقاً لهذه الآثار ومحاربة لها.
   وفقاً لما سبق رأينا أن المشرع السوداني واكب اثار التطور التقني الحادث في عا لم اليوم بإصدار تشريع خاص

بجرائم المعلوماتية ، مما يعني أنه أخذ بالرأي القائل بإفراد تشريع خاص لهذه الجريمة إيماناً منه بخطورتها وأثارها

بعيدة المدي إقتصاديا وإجتماعياً وسياسياً .




                                    تم بحمد الله وتوفيقه ،،،،،،،،



(1) أنظر الآيات من 27-30  من سورة البقرة.
(1)  سورة المطففين، الآية 29.
(2)  سورة المرسلات، الآية 46.
(3) سورة القمر، الآية 47.
( 4) للمزيد حول شرح المصطلحات الواردة في قانون جرائم المعلوماتية 2007 أنظر مؤلفنا شرح قانون جرائم المعلوماتية لسنة 2007، إصدار مركز آفاق الحاسوب للطباعة والنشر ، الطبعة الأولى 2013.
 (5) محمد عبد الله منشاوي، جرائم الإنترنت من منظور شرعي وقانوني، بدون جهة طبع، ص 8 ومابعدها.
(1) واجهنا هذا السؤال عدة مرات في بعض المحاضرات التي شاركنا فيها في مجال قوانين المعلوماتية ، حيث تم توجيهه من عدد من القانونيين الممارسين للمهنة مما يعني أهميته وضرورة مناقشته بإستفاضة.
(1) أنظر الأستاذ الدكتور جلال ثروت، قانون العقوبات القسم العام، الدار الجامعية بدون سنة طبع ، ص 27 ومابعدها.
(1) عادل يوسف عبد النبي شكري، الجريمة المعلوماتية وأزمة الشرعية الجزائية، بحث منشور بمجلة دراسات جامعة الكوفة ، العدد السابع ، 2008، ص 111 ومابعده.
(1) يونس عرب، المرجع السابق، ص 55.

(1) محمد عبد الله منشاوي، جرائم الإنترنت من منظور شرعي وقانوني، بحث منشــــور على موقــع www.minshawi.com  
(1) الدكتورة / رانيا نظمي، الفراغ الفكري وتأثيراته على الاستخدام البيئي لتقنية الاتصالات الحديثة.

الخميس، 12 مايو 2016

الحصانة فى القوانين السودانية


بسم الله الرحمن الرحيم



الحصانة في القوانين السودانية

الدكتور/ إبراهيم قسم السيد محمد طه / المستشار القانوني بوزارة العدل



مقدمة :

تضمنت العديد من التشريعات السودانية نصوصاً تغطي موضوع الحصانات والتي هي عبارة عن إمتياز يقرره القانون لبعض الفئات وهو إمتياز لا يمنع أو  يلغي الجريمة و لا يمنع العقاب عليه كذلك ، لكنه يحول دون إتخاذ الإجراءات الجنائية وأحياناً المدنية بحق المشمول بهذا الإمتياز إلا بعد الحصول على إذن جهة يحددها القانون .

إن الذي يظهر هو أنه ليس هناك خلاف في وجود حاجة عملية للنص على الحصانات لبعض الفئات كي تتمكن من أداء أعمالها بإطمئنان خاصة وأن هذه الأعمال قد تتسم بقدر من الخطورة يدفع من يقوم بها لإرتكاب فعل قد يشكل جريمة .

ورغماً عما سبق إلا أن الأمر يحتاج للبحث والمراجعة إذا شكلت هذه الحصانات عائقاً أمام تطبيق نصوص القانون بالطريقة المرجوه ، وانطلاقاً من ذلك قد تثور بعض الأسئلة هي :

 ما هي القوانين السودانية التي منحت حصانات لفئات معينة ؟

وهل هناك حاجة لكل هذا العدد ؟

فضلاً عن ذلك هل تعيق هذه الحصانات تطبيق القانون ؟

 و إذا كان ذلك كذلك فما هي الحلول ؟

هذه الأسئلة هي ما سنحاول الإجابة عنها في هذه الورقة والتي قسمناها كالآتي

المبحث الأول : الحصانات تعريفها وأساسها القانوني وتحته المطالب التالية :

المطلب الأول : تعريف الحصانات .

المطلب الثاني : أسباب منح الحصانة .

المطلب الثالث : الأساس القانوني لمنح الحصانة في القانون السوداني .



المبحث الثاني: الحصانات المنصوص عليها في القوانين السودانية .

المطلب الأول : حصانة شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية والتشريعية .

المطلب الثاني : حصانة الجهات العدلية .

المطلب الثالث : حصانة الموظفين العموميين .

المطلب الرابع : حصانة القوات النظامية .

المبحث الثالث : المشكلات العملية المتعلقة برفع الحصانة .

الخاتمة : النتائج والتوصيات .



المبحث الأول

الحصانات تعريفها وأساسها القانوني

المطلب الأول:

أولاً  تعريف الحصانة :-

أصل الحصانة المنع ولذلك  قيل مدينة حصينة ودرع حصينة (1) .

وتنقسم الحصانة إلى نوعين حصانة موضوعيه وحصانة إجرائية ، وتختلف الحصانة الإجرائية في أنها تعطل تفعيل نص التجريم ولو بصفة مؤقتة في مواجهة شخص قام بإنتهاك القانون وتحول دون محاسبته إلا بصدور إذن من جهة يعطيها القانون حق منحه ، فالحصانة الإجرائية تمنع الحركة التلقائية والعادية للدعوى الجنائية بتعطيلها للنص الإجرائي الذي يحوّل النص العقابي من السكون إلى الحركة إذ لا عقوبة و لا حكم بدون دعوي جنائية ، و مع وقوع الجريمة لا تستطيع النيابة العامة التحقيق فيها إلا بعد الحصول على تصريح من جهة أخرى غالباً ما تكون الجهة التي يتبعها الموظف المتهم بإرتكاب الجريمة مما يعني أن تقدير ملائمة تحريك الدعوى الجنائية في هذه الحالة ليست في يد الأمين على الدعوى الجنائية (النيابة) و إنما لجهة أخرى أما الحصانة الموضوعية وتسمى أيضاً الجوهرية فهي تعني عدم مسئولية بعض الأشخاص عن بعض الأقوال والأفعال التي تصدر منهم أثناء ممارستهم لوظائفهم أو أدائهم لأعمالهم (2) .

من خلال التعريف السابق يتضح أن للحصانة نوعين أحداهما يمنع من إتخاذ الإجراءات إلى حين وهي الحصانة الإجرائية حيث يكون إتخاذ إجراءات الدعوى الجنائية ِضد الشخص الممنوحة له وهي بمنح من له السلطة الإذن لإتخاذ الإجراء أما النوع الثاني فهو يمنع إتخاذ الإجراء الجنائي بالكلية بمعنى أنه يخرج الفعل من دائرة التجريم .



























ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) جمال الدين أبو الفضل محمد بن مكرم إبن منظور ، لسان العرب ، دارالكتب العلمية بيروت ط 1، 2002،ج13،ص145 ، مادة حصن .

(2) الحماية من القانون بالقانون ، نموذج الحصانة الإجرائية ، د.الهادي أبو حمرة بحث منشور على الموقع الإلكتروني

www.oman legal.net





المطلب الثاني :



أسباب منح الحصانات :-



في رأينا تتمثل أسباب منح الحصانات في الآتي :

1/ تمكين الشخص المشمول بالحصانة من أداء أعمال الوظيفة التي يشغلها بإطمئنان دون خشية من تدخل السلطات سواء كانوا خصوماً سياسيين كما هو الحال في الحصانة الممنوحة للبرلمانيين أو عناصر  سلطات  الحكم و الأفراد العاديين الذين يمس الإجراء المعني  مصالحهم.

2/ حماية الشخص الممنوح له إمتياز الحصانة من الملاحقة القضائية بعد تركه للمنصب الذي منحت له الحصانة من الملاحقة بسبب شغله له فكأن الحصانة بهذه المثابة تمنحه إطمئناناً أثناء عمله وعدم الخوف من المساءلة بعد تركه له .

ورغماً عما سقناه من أهمية منح الحصانة إلا أن هذا الأمر يحمل وجهين فللحصانة سلبيات وإيجابيات .

في إعتقادنا أن للحصانة دوراً إيجابياً يتمثل في إطمئنان الشخص المشمول بها من إتخاذ قرارات معينة في عمله قد تمثل إنتهاكاً للقانون أحياناً وبالتالي فأن ذلك ينعكس إيجاباً على أداء العمل وتسيير دولابه بالطريقة المطلوبة خاصة وأن الحصانة لاتمنح للشخص حماية لذاته بقدر ما هي محاولة لإعانته على أداء عمله بالشكل المطلوب دون إحساسه بالخوف من التعرض لإتهامات باطله وشكاوى قد لا يكون لها أساس .

ومن جانب آخر فللحصانة سلبيات فيما نرى تتمثل في الآتي :



أ ـ خلق إحساس بعدم المساواة أمام القانون :ـ



 مبدأ المساواة أمام القانون مبدأ دستوري تنص عليه الدساتير كواحد من الحقوق الأساسية ونص عليه دستور السودان الإنتقالي لسنة2005م في الباب الثاني المادة (31) كالآتي :" الناس سواسية أمام القانون ولهم الحق في التمتع بحماية القانون دون تمييز بينهم بسبب العنصر أو اللون أو الجنس أو اللغة أو العقيدة الدينية أو الرأي السياسي أو الأصل العرقي . وعليه فإن النظر لهذا المبدأ مع إمكانية عدم خضوع بعض الأشخاص للقانون بسبب الحصانة يخلق الإحساس لدى البعض بعدم وجود هذه المساواة (1)

ب ـ التأثير على سير التحريات :ـ

سلفت  الإشارة إلى أن الحصانة تمنع اتخاذ الإجراءات القانونية ـ الجنائية عادة والمدنية أحياناً إلا بعد الحصول على إذن جهة معينة ، وهذا قد يعيق سير التحريات لاحقاً بعد الحصول على الإذن إذ غالباً ما تكون معالم الجريمة قد اختفت بفعل مرور الوقت وسنشير لاحقاً إلى أن بعض الجهات التي منح القانون لمنسوبيها امتياز الحصانة تمنع تسليمهم حتى لإجراءات التحري الأولى التي تسبق فتح الدعوى الجنائية .

ج ـ استغلال إمتياز الحصانة :ـ

بما أن الحصانة تمنع اتخاذ الإجراءات القانونية مباشرة فمن الممكن أن يؤدي ذلك لإحساس الشخص الممنوحة له بأنه فوق القانون مما يدفعه لإرتكاب أفعال تشكل جرائم ما لم يكن لديه الوعي الكافي بأسباب منح الحصانة .

إن هذه السلبيات التي سبق ذكرها تترتب عليها تداعيات منها زعزعة الثقة في العدالة خاصة مع التأخر أحياناً كثيرة في اتخاذ قرار بشأن طلب رفع الحصانة من الجهات المختصة بذلك عندما يُرفع إليها فيظل المضرور من الجريمة ينتظر زمناً طويلاً مما قد يدفعه لأخذ حقه بيده ولسنا في حاجة للحديث عن الآثار الخطرة لذلك من حيث تأثيرها على المجتمع واستقراره .

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1)   تناول بعض الكتاب هذا الجانب على الشبكة العنكبوتيه . أنظر على سبيل المثال مقال سودانيون فوق المساءلة تحت لافتة الحصانات على موقع www.sudaneseonlin  والحصانة الدستورية  مقال في البحث عن دساتير وقوانين السودان



المطلب الثالث :



الأساس القانوني لمنح الحصانة في القانون السوداني :



تنص المادة 35من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م على الآتي :ـ

أ) لا يجوز فتح الدعوى الجنائية إلا بإذن من وكيل النيابة في الجرائم

1ـ التي لا يجوز القبض فيها بدون أمر .

2ـ المتعلقة بموظف عام .

ب) الإ بناءً على إذن من الجهة المختصة إذا كانت من الجرائم الآتية :

أولاً : المخلة بسير العدالة .

ثانياً : التي يجوز فيها التنازل الخاص إلا من صاحب الحق أو من ينوب عنه .

ثالثاً : التي ينص أي قانون على اشتراط الإذن فيها من الجهة التي يتمتع بحصانة إجرائية أو موضوعيه إلا وفقاً لأحكام القانون الذي ينص عليها .

هذا وقد أصدر السيد/ وزير العدل المنشور الجنائي رقم (1) لسنة 2005 الخاص بالأفعال التي تصدر من القوات النظامية أو الجهات الأخرى المكلفة من السلطة المختصة عند قيامهم بتنفيذ وأداء واجباتهم ونصه كما يلي :ـ

1/ يسمى هذا المنشور منشور جنائي رقم (1) لسنة 2005م الخاص بالأفعال التي تصدر من القوات النظامية أو الجهات الأخرى المكلفة من السلطة المختصة عند قيامهم بتنفيذ وأداء واجباتهم ويعمل به من تاريخ التوقيع عليه .

2/ مع مراعاة أحكام المادة 11 من القانون الجنائي لسنة 1991م والتي تقرأ (لا يعد الفعل جريمة إذا وقع من شخص ملزم بالقيام به أو مخول له القيام به بحكم القانون أو بموجب أمر صادر من السلطة المختصة أو كان يعتقد بحسن نية أنه ملزم به أو مخول له القيام به .

والمادة 21 من ذات القانون مقروءة مع المادتين 35(ب) و 29 (أ) من قانون الإجراءات الجنائية وأنه وبإمعان النظر في هذه المواد يتضح أن المشرع قد قصد إبتداءً إلغاء صفة الجريمة عن الأفعال التي تقع بموجب المواد 11/21 من القانون الجنائي لسنة 1991م والمادة 129 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م ، فأفراد القوات النظامية ومن في حكمهم مأمورين بموجب القانون بالقيام بتلك الواجبات ومؤاخذين قانوناً عن إمتناعهم عن القيام بتلك الواجبات التي تستهدف في مجملها حماية المجتمع كيان الدولة وحيث أنه من المتوقع أن يتم تجاوز تلك الرخصة أثناء أداء الواجب إلى المدى الذي يشكل جريمة وهنا يكمن جوهر قصد المشرع في خلق الموازنة ما بين الحق العام والحق الخاص لذا فقد احتاط المشرع لهذه الحالة بوضعه لقيد قانوني على تحريك الدعوى الجنائية وفقاً لما ورد في المادة 35(ج) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م عليه وتأسيساً على ما تقدم في حالة وقوع قد يشكل جريمة في مثل هذه الأحوال يتم إتباع الإجراءات الآتية :

أ/ إذا توافرت لدى وكيل النيابة أي معلومات جعلته يشتبه بإرتكاب جريمة أو إذا رفع إليه بلاغ أو شكوى عن وقائع تشير إلى وقوع جريمة فله أن يقوم بتحري أولى للاستيثاق من الوقائع أو الإشتباه وذلك وفقاً لنص المادة 47 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م .

ب / بعد إكتمال التحري المشار إليه في الفقرة (أ) يرفع محضر التحري الأولى لوكيل النيابة الأعلى المختص .

ج/ إذا رأي وكيل النيابة الأعلى المختص أن هنالك بينة مبدئية تستدعى فتح دعوى جنائية فعليه رفع محضر التحري للمدعى العام .

د/ إذا تأكد للمدعى العام توافر بينة مبدئية لفتح الدعوى الجنائية فعليه رفع توصيه بذلك لوزير العدل لمخاطبة الجهات المختصة لأخذ الإذن للسير في إجراءات الدعوى الجنائية بالنسبة للجهات التي تتمتع بحصانة قانونية .

هـ/ عند الحصول على موافقة الجهات المختصة لمنح الإذن تتخذ النيابة إجراءات فتح الدعوى الجنائية وتراعى عند ذلك مركز المتهم بإعتباره شخصاً منوطاً به حفظ الأمن والنظام عند إرتكابه للفعل المنسوب إليه .

وقد عنون المنشور للسادة / المدعى العام رؤساء النيابات بالخرطوم والولايات وكلاء النيابة الأعلى بالمحليات وهو منشور عام ولعلم الكافة ومن خلال ما سبق فإن الأساس القانوني للحصانة يجد سنده في المادة 35 من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م والتي تمنع في الفقرة ثالثاًً منها فتح الدعوى الجنائية في الدعاوى التي ينص أي قانون على إشتراط الإذن فيها إلا بعد الحصول على هذا الإذن ، وقد نظم المنشور الذي أوردناه والصادر عن السيد/ وزير العدل كيفية إتخاذ الإجراءات في حالة تقديم شكوى أو بلاغ ضد أفراد القوات النظامية فيما يتعلق بالأفعال التي تصدر منهم عند قيامهم تنفيذ واجباتهم للحصول على الإذن اللازم لفتح الدعوى في مواجهتهم علماً بأن إغفال هذا الإذن يبطل إجراءات الدعوى أمام المحكمة لاحقاً .

جاء في سابقة م أ/إ س ج/73/1993 ما يلي (1) 

إغفال الحصول على الإذن في حالة الدعوى الجنائية التي يحتاج تحريكها إلى إذن يبطل إجراءات التحري لإنعدام السند الذي تحرك به الدعوى الجنائية إبتداءً وينعدم تبعاً لذلك السند للمحاكمة انتهاءً . 

























ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) مجلة الأحكام القضائية 1993م ، إصدار المكتب الفني السلطة القضائية جمهورية السودان













المبحث الثاني

الحصانات المنصوص عليها في القوانين السودانية

تمهيد :

يشتمل هذا المبحث على النصوص الواردة في بعض القوانين السودانية التي تنص على إمتياز الحصانة الممنوح لبعض الفئات وقد قمنا بتقسيمها للآتي .

حصانات شاغلي المناصب الدستورية التنفيذية والتشريعية حصانة الجهات العدلية ـ حصانة الموظفين العموميين ـ حصانة القوات النظامية . وذلك للوقوف على الجهات المشمولة بالحصانة وصولاً لما إذا كانت هناك حاجة لهذا العدد .

المطلب الأول :

حصانة شاغلي المناصب التنفيذية والتشريعية :

أولاً : قانون مخصصات شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية والتشريعية لسنة 2001م .

المادة 20(1)لا يجوز القبض على رئيس الجمهورية أو أي من نائبيه أو رئيس المجلس الوطني أو تفتيش شخصه أو مسكنه أو مكان عمله أو إتخاذ أي إجراءات جنائية أخرى ضده الا بعد الحصول على أذن يصدره المجلس الوطني بقرار من نصف أعضائه .

2ـ يتم إتخاذ الإجراءات الجنائية ضد رئيس الجمهورية أو أي من نائبه أو رئيس المجلس الوطني أمام المحاكم الدستورية .

المادة 21 حصانة شاغلي المناصب الدستورية التنفيذية :

فيما عدا التلبس لا يجوز القبض على أي من شاغلي المناصب الدستورية التنفيذية القومية أو الولائية أو تفتيش شخصه أو مسكنه أو مكان عملة أو إتخاذ أي إجراءات جنائية ضده الا بعد الحصول على أذن مكتوب يصدره رئيس الجمهورية أو الوالي بحسب الحال .

المادة 22(1) حصانة شاغلي المناصب الدستورية التشريعية .

فيما عدا حالات التلبس لا يجوز القبض على أي عضو أو تفتيش شخصه أو مسكنه أو مكان عمله الإ بعد الحصول عل أذن مكتوب من رئيس المجلس الولائي كيفما يكون الحال .

علماً بأن دستور جمهورية السودان الإنتقالي لسنة 2005م نص في المادة (92) على الآتي

ثانياً:  حصانة المعتمد :

المادة (49) من قانون الحكم المحلي لولاية الخرطوم لسنة 2007م .

1ـ لا يجوز في غير حالات التلبس إتخاذ الإجراءات الجنائية ضد المعتمد أو أي من تدابير الضبط على شخصه أو مسكنه أو ممتلكاته إلا بعد موافقة الوالي .

2ـ في حالة إدانة المعتمد يرفع الوزير المختص توصية للوالي لعزله من منصبة



المطلب الثاني:



حصانة الجهات العدلية :



أولاً: حصانة قضاة المحكمة الدستورية :



المادة 11 من قانون المحكمة الدستورية  لسنة2010 :

يسري على قضاة المحكمة العليا الإمتيازات والحصانات المحددة لشاغلي المناصب الدستورية والقيادية المنصوص عليها في قانون شاغلي المناصب الدستورية والتنفيذية والتشريعية وإمتيازاتهم وحصاناتهم  .

ثانياً :حصانة القضاة:

المادة 96من قانون السلطة القضائية1986م

(1)لا يجوز القبض على القاضي أو حبسه أو إتخاذ إجراءات التحقيق معه أو رفع دعوى جنائية ضده الا بإذن من رئيس القضاء أو رئيس الجهاز القضائي المختص أو أقرب قاضي أعلى درجة منه .

(2)على الرغم من أحكام البند (1) يجوز القبض على القاضي أو حبسه في حالة التلبس في أي من الجرائم المطلقة على أن يرفع الأمر إلى رئيس القضاء أو رئيس الجهاز القضائي بحسب الحال خلال أربع وعشرين ساعة كلما كان ذلك مكناً من بدء القبض أو الحبس للتأييد أو الإلغاء على أن يتم حبس القاضي في منزله أوفي مكان خاص كلما كان ذلك ممكناً .

 (3) يتولى التحقيق في جميع الحالات قاضي يكون أعلى درجة من القاضي المحقق معه .



ثالثاً : حصانة المستشارين القانونين بوزارة العدل :



المادة 46 من قانون تنظيم وزارة العدل لسنة 1983م :

(1) في غير حالات التلبس بالجريمة لا يجوز القبض على المستشار القانوني أو إتخاذ أي من إجراءات التحري أو رفع دعوى جنائية ضده إلا بإذن  من وزير العدل .

(2) في حالة التلبس بالجريمة يجب عند القبض على المستشار القانوني أن يرفع الأمر إلى وزير العدل فوراً ليتخذ الإجراء الذي يراه مناسباً .



رابعاً حصانة المحامين :



ـ المادة 48 من قانون المحاماة :

(1) في غير حالات التلبس أوفي الجرائم التي تخص أمن الدولة يجب قبل القبض على المحامي أو  إعلانه للحضور في أي تحقيق إخطار اللجنة المركزية للاتحاد بذلك وإذا كانت الجريمة المنسوبة للمحامي متعلقة بعمله جاز لنقيب المحامين أو من ينيبه من المحامين .

حضور الاستجواب أو التحقيق على أن تتبع أحكام قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م .



المطلب الثالث :



حصانة القوات النظامية :ـ



أولاً : حصانة أفراد قوات الشعب المسلحة :ـ



المادة 34(1) من قانون القوات المسلحة لسنة 2007م

(1) لا يعتبر جريمة أي فعل يصدر من أي ضابط أو ضابط صف أو جندي بحسن نية أثناء أو بسبب أداء أعمال وظيفته أو القيام بأي واجب مفروض عليه أو عن فعل صادر منه بموجب أستخدامه سلطة مخولة أو ممنوحة له بمقتضى قانون الإجراءات الجنائية أو أي قانون آخر ساري المفعول أو أي لائحة أو أوامر صادرة بموجب أي منها على أن يكون ذلك الفعل في حدود  الأعمال أو الواجب المفروض عليه وفق السلطة المخولة بموجب قانون الإجراءات الجنائية ولا يتعدى القدر المعقول من القوة لتنفيذ القانون دون أي دافع للقيام بذلك الفعل .

(2) دون المساس بسلطات النيابة العامة في التحري لا يجوز اتخاذ أي إجراءات ضد أي ضابط أو ضابط صف أو جندي أذا قررت النيابة العسكرية أنه ارتكب فعلاً بشكل جريمة وقعت أثناء أو بسبب تنفيذه لواجباته أو أي أمر قانوني صادر له بصفته هذه ولا تجوز محاكمته إلا بإذن صادر من الوزير أو من يفوضه .



ثانياً: حصانة أفراد جهاز الأمن الوطني : ـ



تنص المادة 52 من قانون جهاز الأمن والمخابرات الوطني لسنة 2010م على :

1/ لا يعتبر جريمة أي فعل يصدر من عضو في الجهاز بحسن نية أثناء أو بسبب أداء أعمال وظيفته أو القيام بأي واجب مفروض عليه أو عن فعل صادر منه بموجب أداء أعمال وظيفته بموجب أي سلطة مخولة أو ممنوحة له بمقتضى هذا القانون أو أي قانون آخر ساري المفعول أو لائحته أو أوامر صادرة بموجب أي منها على أن يكون ذلك الفعل في حدود الأعمال والواجبات المفروضة عليه وفق السلطة المخولة له بموجب هذا القانون .

2/ لا يجوز إجبار أي عضو أو متعاون للإدلاء بأي معلومات عن أوضاع الجهاز أو مناشطه أو أعمال يكون قد حصل عليها أثناء تأديته لواجبه إلا بقرار من المحكمة مع عدم الإخلال بأحكام هذا القانون

3/ مع مراعاة أحكام المادة 46ودون المساس بأي حق في التعويض في مواجهة الجهاز ولا يجوز اتخاذ أي إجراءات مدنية أو إجرائية ضد العضو في أي فعل متصل بعمل العضو الرسمي إلا بموافقة المدير العام وعلى المدير العام إعطاء هذه الموافقة متى ما أتضح أن موضوع المساءلة غير متصل بأعمال الجهاز .

ومن هذا النص يتضح أن حصانة أعضاء جهاز الأمن والمخابرات الوطني والمتعاونين معه حصانة موضوعيه فيما يتعلق بالأعمال ذات العلاقة بالجهاز ويتمتعون أيضاً بحصانة إجرائية فيما عدا ذلك ، وتجدر الإشارة إلى أن الحصانة تشمل الإجراءات الجنائية والمدنية . 



ثالثاً : حصانة أفراد الشرطة :ـ



تنص المادة 45 من قانون شرطة السودان لسنة 2008م على الآتـي :ـ

1/ لا يعتبر جريمة أي فعل يصدر من أي شرطي بحسن نية أثناء أو بسبب أداء أعمال وظيفته أو القيام بأي واجب مفروض عليه أو عن فعل صادر منه بموجب أي سلطة مخولة بمقتضى قانون الإجراءات الجنائية أو أي قانون آخر ساري المفعول أو أي لائحة أو أوامر صادرة بموجب أي منها على أن ذلك الفعل في حدود الأعمال أو الواجبات المفروضة عليه وفق السلطة المخولة له بموجب قانون الإجراءات الجنائية أو أي قانون آخر ولا يتعدي القدر المعقول من القوة لتنفيذ واجباته أو لتنفيذ القانون دون دافع آخر للقيام بذلك الفعل .

2/ دون المساس بسلطات النيابة العامة في التحري لا يجوز اتخاذ أي إجراءات ضد أي شرطي إذا قررت الشئون القانونية الشرطية أنه إرتكب فعلاً يشكل جريمته وفق أثناء أو بسبب تنفيذه لواجباته أو أي أمر قانوني يصدر إليه بصفته هذه ولا تجوز محاكمته إلا بإذن صادر من الوزير أو من يفوضه .

3/ تتحمل الدولة دفع أي تعويض أو دية عن الشرطي أو أي شخص آخر مكلف قانوناً في الجرائم المرتكبة أثناء العمل الرسمي أو بسببه .

4/ كل شرطي يواجه أية إجراءات قانونية تعترض إيداعه بالحراسة يحبس بحراسات الشرطة لحين الفصل في الإجراءات وتحدد اللوائح تنظم إيداعه بالحبس.



رابعاً : حصانة أفراد قوات الدفاع الشعبي :ـ



قانون قوات الدفاع الشعبي لسنة 1989م

المادة 17 : يخضع أفراد قوات الدفاع الشعبي أثناء فترة التدريب والاستدعاء للقوانين العسكرية وتختص المحاكم العسكرية بمحاكمتهم .



خامساً : حصانة أفراد الخدمة الوطنية :ـ



المادة 20(1) من قانون الخدمة الوطنية لسنة 1992م :

يخضع المجندون في الخدمة الوطنية للقوانين المطبقة على قوات الشعب المسلحة طوال هذه الخدمة .



سادساً : حصانة ضباط الجمارك :ـ



المادة 34 من قانون الجمارك لسنة 1986م

34(1) لا يكون ضابط الجمارك مسئولاً عن أي حجز أجراه وفقاً لأحكام هذا القانون متى وجد سبب معقول لذلك .

(2) إذا استرد المدعى أي وسيلة للنقل أو أي بضاعة محجوزة أو العائد من بيعها فيجوز للمحكمة أن تدون في حيثياتها بأن الحجز قد تم بناءً على أسباب معقولة ويكون ذلك مانعاً من اتخاذ أي إجراءات ضد ضابط الجمارك بشأن ذلك الحجز .

المادة 35 : لا يجوز تفتيش ضابط الجمارك أثناء تأدية واجبه الرسمي إلا في حالة التلبس أو بموجب أمر تفتيش صادر من الجهة المختصة أو بإذن المدير أو الرئيس المباشر في موقع العمل أو من يفوضه المدير في ذلك .



المطلب الرابع :



حصانة الموظفين العموميين :



عرف القانون الجنائي السوداني لسنة 1991م الموظف العام في المادة (3) بأنه كل شخص تعينه سلطة عامة للقيام بوظيفة عامة سواء كان التعيين بمقابل أم دون مقابل وبصفة مؤقته أم دائمة وقد وردت حصانات لبعض الموظفين العموميين في القوانين السودانية كالآتـي :ـ



أولاً :قانون أمراض النباتات لسنة 1913م :ـ

المادة 18 :

لا يجوز إقامة دعوى مدنية أو فتح دعوى جنائية ضد الجهة المختصة أو أي مفتش أو ضابط حجر نباتات أو أي موظف عام آخر أو أي شخص يتصرف بمقتضى سلطة من الجهة المختصة أو ضابط حجر نباتات أو أي موظف عام آخر عن أي شيء يتم بمقتضى أحكام هذا القانون أو قصد بحسن نية إتمامه بمقتضى أحكام هذا القانون . 

ثانياً :-  قانون  البنك الزراعي السوداني  لسنة 1957 :

المادة 17 :- لا يترتب على عضو من أعضاء مجلس الإدارة أو أي موظف أو مستخدم بالبنك أي مسئولية فيما يتعلق بما قام به من أعمال أو أغفل القيام به عن حسن نية أثناء تنفيذه لواجباته كعضو أو موظف أو مستخدم بالبنك

ثالثاً:-  قانون مكافحة  أعشاب الهايسنت لسنة 1960 :-

المادة (5) سلطات المراقبين وحصاناتهم

(أ) يجوز للمراقب وأي شخص تفوضه تفويضاً صحيحاً أن يدخل أي أرض وأن يباشر فيها جميع الأعمال التي تكون على وجه معقول ضرورية أو ملائمة للقضاء على أعشاب الهايسنت أو مكافحة انتشارها .

(ب) يجب على المراقب أو أي شخص مفوض على الوجه السابق في تنفيذ الأغراض المذكورة أن يراعي بقدر المستطاع  تجنب الأضرار بأي ممتلكات على تلك الأرض ولا يجوز لأي محكمة نظر أي دعوى أو تستمر في نظر أي دعوى مرفوعة على أي شخص بطلب الحكم بتعويض إستناداً إلى ضرر مما سبق ذكره .

رابعاً :-  قانون مركز تطوير الإدارة لسنة 1968م :-

المادة 22(أ) :- لا تقع المسئولية على أي عضو في المجلس أو أي من العاملين التابعين فيما يتعلق بـ

(أ) كسر أو تلف أو ضياع ممتلكات المركز مالم يكن هذا الكسر أو التلف أو الضياع راجعاً إلى الإهمال أو سوء التصرف .

(ب) شئ يقوم به أو يفعله أي من العاملين بمكاتبه أثناء الأداء السليم لواجباته .

خامساً :- قانون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لسنة 1983م :-

المادة 18(1) يتمتع الأشخاص الذين يجوز لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحصانة التي تتمتع بها المحكمة أثناء أدائها لعملها .

(2) لا تعني الحصانة المنصوص عليها في البند (1) إتخاذ الإجراءات ضد مخالفة لأحكام الشرع أو القانون يرتكبها الأشخاص الذين لهم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .

سادساً :- قانون ضريبة الإنتاج لسنة 1985م

المادة 51 :-  لايجوز تفتيش الضابط أثناء تأدية واجبه الرسمى إلا في حالة التلبس أو بموجب أمر تفتيش صادر من الجهة المختصة أو بإذن المدير أو من يفوضه في ذلك .

وقد عرف هذا القانون كلمة الضابط بأنها تشمل كافة الأشخاص المفوضين من المدير وأي شخص في خدمة الحكومة يكون في أي وقت مفوضاً لأداء واجبات ضابط الجمارك .

سابعاً :- حصانة الجهاز التنفيذي للمحليات :-

المادة 53 من قانون الحكم المحلي لولاية الخرطوم لسنة 2007م

لا يجوز في غير حالات التلبس إتخاذ الإجراءات الجنائية ضد المدير التنفيذي أو أي من مديري الإدارات العامة أو أي من أعضاء الجهاز التنفيذي للمحلية أو إتخاذ أي من تدابير الضبط على شخصه أو مسكنه أو ممتلكاته في أي شأن يتعلق بأداء مهامه الرسمية إلا بعد موافقة المعتمد أو الوزير المختص أو الوالي بعد التشاور مع المعتمد بحسب الحال .

ثامناً :-  قانون الإنتخابات القومية لسنة 2008م :-

المادة 14(1) فيما عدا حالات التلبس لايجوز إتخاذ أي إجراءات في مواجهة رئيس المفوضية أو نائبه أو الأعضاء فيما يتعلق بأداء واجباتهم الموكلة إليهم بموجب أحكام هذا القانون إلا بعد الحصول على إذن مكتوب من رئيس الجمهورية.

 تاسعاً :- قانون ديوان المراجعة القومي لسنة 2015

المادة 50(1) فيما عدا حالات التلبس لايجوز

(أ) القبض على المراجع العام أو أي من نوابه أو إتخاذ أي إجراء من إجراءات التحقيق معه أو حبسه أو رفع دعوى جنائية ضده بسبب فعل يتعلق بأداء مهامه إلا بإذن من رئيس الجمهورية بعد التشاور مع وزير العدل .

(ب) القبض على أي من المراجعيين أو حبسه أو إتخاذ أي من إجراءات التحقيق معه أو رفع دعوى جنائية ضده بسبب أي فعل يتعلق بأداء مهامه إلا بإذن من المراجع العام بعد التشاور مع وزير العدل .

يتضح من خلال العرض السابق أن عدد القوانين التي حوت إمتياز الحصانة يبلغ20 قانوناً وقد حوى بعضها حصانة موضوعية مثل قانون مكافحة أعشاب الهايسنت 1960 وقانون البنك الزراعي السوداني لسنة 1957م حيث جعل الفعل المنسوب لصاحب إمتياز الحصانة ليس محلاً للمساءلة القانونية في حال ترتب عليه جريمة كما أن بعض القوانين مثل قانون الحكم المحلي لسنة 2007م أسبغ حصانة على عدد كبير من الأشخاص حيث جاء النص شاملاً لكل أعضاء الجهاز التنفيذي بالمحلية علماً بأن المادة 3 من القانون المذكور عرفت الجهاز التنفيذي بأنه : يقصد به المعتمد ومدراء الإدارات العامة والعاملون بالمحلية وبالتالي فإن كافة منسوبي المحلية من موظفين وعمال تشملهم الحصانة بموجب هذه المادة .

من جانب آخر إستثنت بعض هذه القوانين حالة التلبس من طلب الحصول على الإذن للمحاكمة وهذا يعنى أن الشخص وإن كان مشمولاً بالحصانة إلا أن هذه الحصانة تسقط عنه تلقائياً إذا تم ضبطه متلبساً بالجريمة أي العثور عليه لحظة إرتكابه لأركان الفعل الذي يشكل الجريمة المعنية .  

أما معظم القوانين  المذكورة فقد إحتوت على حصانة إجرائية تتطلب إذن الجهة المختصة وهو الإجراء الذي تقوم النيابة بطلبه وتعترضه صعوبات عملية وهو ما سنتعرض له في المبحث التالي . 



المبحث الثالث

المشكلات العملية المتعلقة بطلب رفع الحصانة

سلفت الإشارة إلى أن طلب رفع الحصانة وفقاً لمنشور السيد/ وزير العدل رقم(1) لسنة 2005م يتطلب من النيابة أن تقوم بإجراءات تحري أولي للإستيثاق من الشكوى أو البلاغ المقدم وذلك في حالة أن تكون ضد أحد أفراد القوات النظامية ، والواقع هو أن النيابة تتبع ذات الإجراء في حالة الشكاوى أو البلاغات المرفوعة ضد المشمولين بالحصانة بصورة عامة ومن ثم تقوم بمخاطبة الجهات المنوط بها منح الإذن وقد جرى العمل على أن تخاطب النيابة مباشرة بعض الجهات مثل إتحاد المحامين وتتقيد بالمنشور الخاص بالشكاوى والبلاغات ضد أفراد القوات النظامية آنف الذكر حيث تتم مخاطبة المدعى العام لرفع التوصية للسيد/ وزير العدل بطلب الإذن . غير أن الواقع العملي أفرز بعض المشكلات العملية التي نتطرق لها فيما يلي :-

 أولاً :-

عدم قدرة النيابة على إستكمال إجراءات التحري الأولى بسبب عدم تسليم المشتبه بهم لأخذ أقوالهم في هذه المرحلة .

من خلال الممارسة العملية تمتنع بعض الجهات عن تسليم أفرادها المشمولين بالحصانة لمباشرة التحري الأولي معهم ويحدث ذلك غالباً من أفراد القوات النظامية ، وهذا الإجراء يعيق تكملة التحريات ويغل يد النيابة للوصول للحقائق كاملة لأنه مهما بَذَلتْ من جهد فإن نصف الحقيقة يكون غائباً مالم تؤخذ أقوال المشتبه به ، ويحدث هذا رغماً عن أن بعض النصوص مثل قانون شرطة السودان لسنة 2008م تنص في المادة 45 على مبدأ (دون المساس بسلطات النيابة في التحري لايجوز .....الخ) وهذا النص فيما نعتقد يمنح النيابة الحق في أخذ أقوال المشتبه به أو بهم في مرحلة التحري الأولي خاصة إذا علمنا أن التحري الأولي يقصد به في تعريف قانون الإجراءات له الجنائية بأنه التحري الذي يسبق فتح الدعوى الجنائية (المادة 3) .

من جانب آخر نرى أن تسليم المشتبه بهم للتحري الأولي من معهم  قد يكون في صالحهم فإذا كان المشتبه بهم مجموعة من الأفراد فإن التحري الأولي قد يُخرج البعض منهم من دائرة الإشتباه وبالتالي لا يرفع إسمه لرفع الحصانة عنه خاصة وأن هذا الإجراء قد يترتب عليه إجراءات إدارية في مواجهة الفرد قد تضر به وبمصالحه وبالتالي فمن الأسلم أن يتم النص في كافة القوانين المنظمة لإجراءات الحصانة على أن هذا الإجراء لايمنع إتخاذ التحري الأولي .

ثانياً :- التأخير الشديد في البت في طلب رفع الحصانة :-

بعد إكتمال إجراءات التحري ورفعها للسيد/ المدعى العام لمخاطبة الجهات المنوط بها منح الإذن تتأخر هذه الجهات في غالب الأحيان تأخراً لا مبرر له في حين يكون المضرور متابعاً بصورة مستمرة للنيابة أو إدارة الشئون الجنائية أو السيد/ وزير العدل وليس في يد هذه الجهات سوى الإنتظار أو إصدار خطابات إستعجال لذات الجهات ولعل من أسباب هذا التأخير مايلي :-

1/ تركيز قرار رفع الحصانة في هرم هذه الجهات مثل الوزراء مما يعني إرتباط نظرهم للطلبات بوجود فرصة لذلك مع إنشغالهم الشديد بأعبائهم السياسية والإدارية الأخرى .

2/ عدم وجود زمن محدد يجب خلاله إتخاذ قرار برفع الحصانة من عدمه فقد خلت كل النصوص المنظمة للحصانات من ذلك .

3/ يؤدى التأخر إلى ضياع معالم الجريمة مما يعيق إكمال التحري لاحقاً

وقد سلفت الإشارة إلى أن مثل هذا التأخير لديه تداعيات تتمثل في زعزعة الثقة في نفس المواطن عندما يطول إنتظاره لقرار رفع الحصانة وقد يدفعه ذلك لمحاولة أخذ حقه بيده ولا يخفى ما في ذلك من خطورة على إستقرار المجتمع .

ثالثاً :-

وجود حصانة لبعض الجهات تمنع من إتخاذ أي إجراء مدنياً كان أم جنائياً مثل حصانة افراد جهاز الامن الوطني:

والملاحظ أنه حتى بعد هذا التأخير تخطر بعض الجهات مثل إدارة جهاز الأمن ووزارة الداخلية تخطر وزارة العدل بأنها ستقوم بمحاكمة منسوبيها أمام محاكمها الخاصة مما يخلق تساؤلاً حول الجوانب الإجرائية في هذه الدعاوى فهل يتم رفع الحصانة عن المتهم أم لا ؟ وكيف يتم فتح الدعوى الجنائية في هذه الحالة علماً بان قانون الإجراءات الجنائية حدد أن فتح الدعوى الجنائية يتم بناءاً على أمر النيابة أو الشرطة وفقاً لسلطة كل منها غير أن الذي يحدث عملياً أن هذه الجهات المشار إليها لا تعيد محضر التحري الأولي للنيابة للأمر بفتح الدعوى وتوجيه التهمة علماً بان قوانينها الخاصة مثل قانون الأمن الوطنى وقانون قوات الشرطة لم يغطي هذا الجانب مما يخلق تساؤلاً حول صحة إجراءات المحاكمة في هذه الحالة .

ونشير كذلك إلى عدم شيوع ثقافة الطعن الإداري لدى الأفراد المضرورين في قرار عدم رفع الحصانة ، ويتضح لنا من جملة ما سبق أن هذه المشكلات تحتاج لمعالجة لتعديل نصوص هذه القوانين لتغطية هذا النقص على ما سنشير له في الخاتمة التالية والمشتملة على النتائج والتوصيات .

الـخـاتـمـة

النتائج :-  

من خلال ماسبق عرضه يمكننا التوصل للنتائج التالية :-

1/ نصت العديد من القوانين السودانية بلغت حوالي 20 قانوناً على حصانات لفئات مختلفة .

2/ الحصانة كإجراء يقي الشخص الممنوحة له من الخوف والتوجس في أداء عمله هو إجراء مطلوب .

3/ إجراء رفع الحصانة يشتمل على مشاكل عملية مثل التأخير غير المبرر في إتخاذ قرار بشأنه .

4/ بعض الجهات تمتنع عن تسليم منسوبيها المشمولين بالحصانة لإتخاذ إجراءات التحري الأولي معهم .

5/ إغفال طلب رفع الحصانة يؤدي إلى بطلان إجراءات المحاكمة .

6/ القوانين السودانية المنظمة لإجراء الحصانة لا تشتمل على وقت محدد لإتخاذ قرار برفع الحصانة من عدمه .

7/ بعض القوانين السودانية لإجراء الحصانة تركز قرار رفع الحصانة في قمة الهرم الإداري في الجهة المعنية

التوصيات :-

1/ مراجعة القوانين المنظمة لمسائل الحصانة لإلغاء الحصانات وقصرها على جهات محددة تتطلب الأعمال التي تؤديها حمايتها مثل شاغلي المناصب الدستورية  والجهات العدلية والقوات النظامية .

2/ النص في القوانين المنظمة لمسائل الحصانة على تحديد وقت تبت فيه الجهة في الطلب وإلا أعتبرت الحصانة مرفوعة بعد مرور هذا الوقت .

3/ التدرج في مسائل رفع الحصانة بتقسيمها بين الجهات الإدارية في الجهات المعنية وعدم تركيزها في يد قمة الهرم الإداري فقط .

4/ مراعاة أن تكون حصانة الشخص المشمول بها متعلقة بعمله فقط ولاتتعداه إلى ما سواه .

5/ النص دائماً على أن حالة التلبس تجيز القبض على الشخص المشمول بالحصانة.

6/ تبصير الناس بثقافة إمكانية الطعن الإداري قرارات عدم رفع الحصانة

7/ تبصير بعض الجهات التي تنص قوانينها على إمكانية محاكمة أفرادها أمام محاكمها الخاصة بإعادة محضر التحري الأولي للنيابة في حالة قررت هذه الجهة المحاكمة لفتح الدعوى الجنائية وتوجيه التهمة ومن ثم إعادة الأوراق لها .



المراجع :



1/ مجلدات قوانين السودان , إصدار وزارة العدل .جمهوريى السودان.



2/ جمال الدين محمد بن منظور , لسان العرب ،دار الكتب العلمية ،ط 1،



3/ مجلة الاحكام القضائية 1993 ، اصدار المكتب الفني للسلطة القضائية .

4 / الموقع الإلكتروني www.oman.net



وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين